التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين

          قال البخاريُّ:
          350- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ: (فَرَضَ اللهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ).
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا هنا، وفي البَيْهَقِيِّ مِنْ حديث داودَ بنِ أبي هندٍ عن عامرٍ عن مَسْرُوقٍ عن عائشةَ قالت: ((إِنَّ أوَّلَ مَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلعم المَدِيْنَةَ وَاطمَأَنَّ، زَادَ رَكْعِتَيْنِ غَيْرَ المغربِ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ، غَيْرَ صَلَاةِ الغَدَاةِ، قَالَتْ: وَكَاَن إِذَا سَافَرَ صَلَّى صَلَاتَهُ الأُولَى)).
          وما ذكره عبدُ الملكِ بنُ حبيبٍ في «شرح الموطَّأ»: حدَّثنا أَسَدُ بنُ مُوسَى حدَّثنا المباركُ بنُ فَضَالَةَ عن الحَسَنِ مِنْ صَلَاتِهِ ◙ صبيحةَ الإسراءِ: ((الظُّهْرَ والعَصْرَ أربعًا، والمَغْرِبَ ثلاثًا، والعِشَاءَ أربعًا)) فلا يُقاوم هذا، وقولُه تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النِّساء:101]، فلا يُعارض ما نحن فيه؛ لجواز أن يكون ذكر ذلك بعد زيادة ركعتين في الحضر.
          وزعم ابنُ عَبَّاسٍ ونافعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ والحَسَنُ وابنُ جُرَيْجٍ أنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ أَوَّلًا أربعًا أربعًا، وفي السَّفَرِ ركعتين ركعتين: فقولها: (فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) يجوز أن يكون قبل الإسراء إن عُنِيَ بذلك قيام اللَّيل، أو صلاة الغداة والعشيِّ، فإنَّها كانت ركعتين ركعتين، وإليه الإشارة بقوله: ((مَنْ صَلَّى البَرْدَينِ دَخَلَ الجَنَّةَ))، كما سلف، والزِّيادة عند الإكمال، لكنَّ الظَّاهر أنَّ المراد حين فرضها ليلة الإسراء، ففي حديث مَعْمَرٍ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عائشةَ: ((فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبيُّ صلعم، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الأُولَى)).
          وذكر ابنُ عبدِ البَرِّ عن الحَسَنِ والشَّعْبِيِّ أنَّ الزِّيادة في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة بعامٍ أو نحوه، وادَّعى بعضهم فيما حكاه المُنْذِرِيُّ أنَّه يحتمل أن يكون المراد بفرضها ركعتين إن اختار المسافر ذلك فعل وإلَّا صلَّى أربعًا، أو يُراد بالفرض التَّقدير ثمَّ تُرِكَتْ صلاة السَّفر على وجهها في المقدار لا في الإيجاب، والَّذي عليه الجمهور كما حكاه ابنُ بَطَّالٍ في حديث عائشةَ في الكتاب، على أنَّها أفتت بخلاف ذلك، وأنَّها كانت تُتِمُّ في السَّفر، لكنَّها فهمت أنَّ القصر ليس على الإيجاب، فلذلك أتمَّت.
          فائدةٌ: زيادة ركعتين على ركعتين نسخٌ للأوَّل لا زيادة صلاةٍ خلافًا لأبي حنيفةَ، كما نبَّه عليه السُّهَيْلِيُّ.