التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من تكفل عن ميت دينًا فليس له أن يرجع

          ░3▒ (بَابُ مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ مَيِّتٍ دَيْنًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ
وَبِهِ قَالَ الحَسَنُ).
          2295- ثم ساق حديثَ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ السَّالفَ قريبًا مختصرًا [خ¦2289].
          2296- وحديثَ جَابِرٍ: (قَالَ النَّبِيُّ _صلعم_: لَو قَدْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَلَمْ يَجِئْ مَالُ البَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ فَلَمَّا جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ عِدَةٌ أَو دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ _صلعم_ قَالَ لِي: كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِي حَثْيَةً، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِئَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا).
          هذا الحديث يأتي في الخُمس [خ¦3137] والمغازي أيضًا [خ¦4383].
          وفيه: جوازُ هبة المجهول، ولمالكٍ قولان، والمشهور جوازه، وفي بعض الرِّوايات أنَّ مال البحرين هذا كان أرسله العَلاء بن الحَضْرميِّ.
          وفيه دِلالةٌ على سخائه، ولا شكَّ فيه إذْ كان المالُ لا يَعُدُّهُ ولا يقدِّرُه بمقدارٍ عند بذله، وكذا عند أخذه، وهذا كان منه وعْدًا لجابرٍ، وكان مِنْ خُلُقِه الوفاءُ بالوعد، وقد قال _تعالى_ في حقِّه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وأثنى على إسماعيل بأنَّه كان صادق الوعد، ولذلك نَقَدَه الصِّدِّيقُ بعدَه بقوله مِنْ غير بيِّنَةٍ لأنَّه عَدْلٌ بالنَّصِّ، ولا يُظَنُّ بمسلمٍ الكذبُ فضلًا عن صحابيٍّ تعمَّد ذلك، وعند الشَّافعيِّ والجمهور أنَّ إنجازَ الوعد مستحبٌّ، وخالف الحسنُ وبعض المالكيَّة فأوجبوه.
          والحَثْيَة ملءُ الكف، قال ابن قُتَيبة: وهي الحَفنة، وقال ابن فارسٍ: هي ملءُ الكفَّين.
          وفقْهُ الباب سلف واضحًا، واختُلِف فيما إذا تكفَّل عن حيٍّ بغير إذنه؛ فقال الكُوفِيُّون والشَّافعيُّ: لا رجوع به إذا أدَّاُه لتبرُّعِهِ، وعن مالكٍ: له الرُّجوع لقيامه بواجبٍ.