شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}

          ░2▒ بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ(1) أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}[النِّساء:33]
          فيهِ ابنُ عَبَّاسٍ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}[النِّساء:33]، قَالَ: وَرَثَةً {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ(2) أَيْمَانُكُمْ}[النِّساء:33]. كَانَ المُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ المُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى بَيْنَهُم النَّبيُّ صلعم، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}[النِّساء:33]نَسَخَتْ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ(3) أَيْمَانُكُمْ}[النِّساء:33]، إِلَّا النَّصْرَ وَالرِّفَادَةَ(4)، وَقَدْ ذَهَبَ المِيرَاثُ وَيُوصَى لَهُ. [خ¦2292]
          فيهِ(5) أَنَسٌ: (قَدِمَ عَلَيْنَا ابنُ عَوْفٍ، فَآخَى النَّبيُّ صلعم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ). [خ¦2293]
          وفيهِ(6) فَقِيْلَ(7) لَهُ: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (لَا حِلْفَ في الإِسْلَامِ، وقَالَ(8): قَدْ حَالَفَ النَّبيُّ صلعم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ في دَارِي). [خ¦2294]
          قالَ الطَّبَرِيُّ: / قد رُوِيَ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قالَ: ((لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفِ الجَاهِلِيَّةِ فَلَنْ يَزِيْدَهُ الإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً)) فإن قيل: فهذا يُعارض قول أَنَسٍ: (حَالَفَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي(9) بِالمَدِيْنَةِ). قيل: كان هذا(10) في أوَّل الإسلام، كان ◙ آخى بين المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثون(11) بذلك العقد، وعاقد أبو بَكْرٍ مولًى له فورثه، وكانت(12) الجاهليَّة تفعل ذلك في جاهليَّتها، فنسخ الله ذلك بقوله تعالى: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ}[الأحزاب:6]وردَّ المواريث إلى القرابات بالأرحام والحرمة بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}[النِّساء:11].
          وأمَّا الَّذي قال فيه ◙: ((مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَلَنْ يَزِيْدَهُ الإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً))، فهو(13) ما لم ينسخه الإسلام، ولم يبطله حكم القرآن، وهو(14) التَّعاون على الحقِّ والنُّصرة على الأخذ على يد الظَّالم الباغي، وهو معنى قول ابن عبَّاسٍ: إلَّا النصر(15) والرِّفادة، أنَّها مستثناةٌ ممَّا ذكر نسخه من مواريث المعاقدين.


[1] في (ص): ((عاقدت)).
[2] في (ص): ((عاقدت)).
[3] في (ص): ((عاقدت)).
[4] زاد في المطبوع: ((والنَّصيحة))، وغير واضحة في (ص).
[5] في (ز): ((وفيه))، وغير واضحة في (ص).
[6] قوله: قَدِمَ عَلَيْنَا ابنُ عَوْفٍ، فَآخَى النَّبيُّ صلعم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ((وفيه)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((قيل)).
[8] في المطبوع: ((قال))، وفي (ز): ((فقال)).
[9] في (ز): ((داره)).
[10] في (ز): ((قيل هذا كان)).
[11] في (ص): ((يتعاقدون)).
[12] في (ص): ((وكان)).
[13] قوله: ((فهو)) ليس في (ص).
[14] في (ز): ((وهذا)).
[15] في (ص): ((بالنَّصر)).