شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه

          ░1▒ باب تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ وَتَحْنِيكِهِ
          فيه: أَبُو مُوسَى: (وُلِدَ لي غُلامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبيَّ صلعم فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ؛ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أبي مُوسَى). [خ¦5167]
          وفيه: عَائِشَةُ: (أُتِيَ النَّبيُّ صلعم بِصَبِيٍّ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ). [خ¦5468]
          وفيه: أَسْمَاءُ، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بقُبَاءً، فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبيَّ صلعم فَوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا، وتَفَلَ في فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ صلعم ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ في الإسْلام، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا؛ لأنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ سَحَرَتْكُمْ فَلا يُولَدُ لَكُمْ. [خ¦5469]
          وفيه: أَنَسٌ: (كَانَ ابْنٌ لأبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَتْ: وَارُوا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ، أَتَى النَّبيَّ صلعم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، / قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا، فَوَلَدَتْ غُلامًا، قَالَ لي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبيَّ صلعم، فَأَتَى بِهِ النَّبيَّ صلعم وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهَا النَّبيُّ صلعم فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَها مِنْ فِيهِ ثُمَّ أَخَذَ فَجَعَلَهَا في فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهَا، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ). [خ¦5470]
          قال المُهَلَّب: تسمية المولود حين يولد، وبعد ذلك بليلةٍ وليلتين وما شاء إذا لم ينو الأب العقيقة عنه يوم سابعه جائزٌ، فإن أراد أن ينسك عنه فالسُّنَّة أن يؤخِر تسميته إلى يوم النُّسك وهو السَّابع، لما روى الحسن، عن سمرة، عن الرَّسول أنَّه قال: ((الغلام مرتهنٌ بعقيقته يُذبَح عنه يوم السَّابع، ويحلق رأسه ويُسمَّى)) قال: ويحنكه بالتَّمر تفاؤلًا(1) له بالإيمان؛ لأنَّها ثمرة الشَّجرة التي شبَّهها الله تعالى بالمؤمن وبحلاوتها أيضًا.
          وفيه: أنَّه حسنٌ أن يقصد بالمولود من أهل الفضل والعلماء والأئمَّة الصَّالحين ويحنِّكونهم بالتَّمر وشبهه، ويتبرَّك بتسميتهم إيَّاهم، غير أنَّه ليس ريق أحدٍ في البركة كريق النَّبيِّ. فمن وصل إلى جوفه من ريقه صلعم فقد أسعده الله وبارك فيه؛ ألا ترى بركة عبد الله بن الزُّبير وما حازه من الفضائل؛ فإنَّه كان قارئًا للقرآن عفيفًا في الإسلام، وكذلك كان عبد الله بن أبي طلحة من أهل الفضل والتَّقدُّم في الخير ببركة تحنيك النَّبيِ صلعم له، وقد تقدَّم في كتاب الجنائز الكلام في حديث أسماء في باب من لم يُظهِر حزنه عند المصيبة فأغنى عن إعادته. [خ¦1301]
          وأمَّا خوفهم أن تكون اليهود سحرتهم فإنَّ ذلك لصحَّة السِّحر عندهم وخشية أن يفعل ذلك من لا يتَّقي الله من الكفَّار، كما سحر لَبِيد بن الأعصم النَّبيَّ صلعم فلمَّا ولد عبد الله بن الزُّبير أمنوا ذلك وفرحوا.
          وقولها: (وَأَنَا مُتِمٌّ) قال صاحب «الأفعال»: أتمَّت كلُّ حاملٍ: جاز أن تضع.


[1] صورتها في (ص): ((تقال)) والمثبت من التوضيح.