عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

ذكر ما يستفاد منه
  
              

          ذِكْرُ ما يُستفَاد منهُ:
          فيه: المبالغةُ في تخفيف رَكْعَتَي الصبح، ولكنَّها بالنسبة إلى عادته صلعم مِن إطالته صلاة الليل، واختلف العلماء في القراءة في رَكْعَتَي الفجر على أربعة مذاهب حكاها الطَّحَاويُّ:
          أحدها: لا قراءة فيهما، كما ذكرناه في أَوَّل الباب عن جماعةٍ.
          الثاني: يخفِّف القراءة فيهما بأمِّ القرآن خاصَّةُ، رُوِيَ ذلك عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص وهو مشهور مذهب مالك.
          الثالث: يُخفِّف بقراءة أمِّ القرآن وسورةٍ قصيرة، رواه ابن القاسم عن مالكٍ وهو قول الشَّافِعِيِّ.
          الرابع: لا بأس بتطويل القراءة فيهما، رُوِيَ ذلك عن إبراهيم النَّخَعِيِّ ومجاهد، وعن أبي حنيفة: ربَّما قرأت فيهما جزأين مِن القرآن، وهو قول أصحابنا.
          وقال شيخُنا زين الدين: المستحبُّ قراءةً «سورة الإخلاص» في رَكْعَتَي الفجر، وممَّن رُوِيَ عنه ذلك مِنَ الصحابة: عبدُ الله بن مسعود، ومِنَ التَّابِعينَ: سعيد بن جُبَير ومُحَمَّد بن سِيرِين وعبد الرَّحْمَن بن يزيد النَّخَعِيُّ وسُوَيد بن غَفَلة وغُنيم بن قيس، ومِنَ الأئِمَّة: الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ نصَّ عليه في «البويطيِّ»، وقال مالكٌ: أَمَّا أنا فلا أزيدُ فيهما على أمِّ القرآن في كلِّ ركعة، رواه عنه ابن القاسم، وروى ابن وَهْب عنه أنَّهُ قال: لا يقرأ فيهما إلَّا بأمِّ القرآن، وحكى / ابن عبد البرِّ عن الشَّافِعِيِّ أنَّهُ قال: لا بأسَ أن يقرأ مَعَ أمِّ القرآن سورةً قصيرةً، قال: وروى ابنُ القاسم عن مالكٍ أيضًا مثله.
          ثُمَّ الحكمةُ في تخفيفه صلعم رَكْعَتَي الفجر المبادرةُ إلى صلاة الصبح في أَوَّل الوقت، وبه جزم صاحبُ «المُفهِم»، ويحتمل أن يُراد به استفتاحُ صلاة النهار بركعتين خفيفتين؛ كما كان يستفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين؛ ليتأهَّب ويستعدَّ [للتفرُّغ للفرض أو لِقيامِ الليل الذي هو أفضلُ الصلاة بعد المكتوبة، كما ثبت في «صحيح مسلمٍ»]، وخَصَّ بعضُ العلماء استحبابَ التخفيف في رَكْعَتَي الفجر بمَن لم يتأخَّر عليه بعضُ حزبه الذي اعتاد القيام به في الليل، فإن بقيَ عليه شيءٌ قرأ في رَكْعَتَي الفجر، [فروى ابن أبي شَيْبَةَ في «مصنَّفه» عن الحسن البَصْريِّ قال: لا بأس أن يطيلَ رَكْعَتَي الفجر] يقرأ فيهما مِن حزبه إذا فاته، وعن مجاهدٍ أيضًا قال: لا بأس أن يطيلَ رَكْعَتَي الفجر، وقال الثَّوْريُّ: إن فاته شيء مِن حزبه بالليل فلا بأسَ أن يقرأ فيهما ويُطوِّل، وقال أبو حنيفة: ربَّما قرأتُ في رَكْعَتَي الفجر حزبي مِنَ الليل، وقد ذكرناه عن قريبٍ، وروى ابن أبي شَيْبَةَ في «مصنَّفه» مُرسَلًا مِن رواية سعيد بن جُبَير قال: كان النَّبِيُّ صلعم ربَّما أطال رَكْعَتَي الفجر، ورواه البَيْهَقيُّ أيضًا، وفي إسناده رجلٌ مِنَ الأنصار لم يُسَمَّ.