عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

ذكر ما يستفاد منه
  
              

          ذِكْرُ ما يُستَفادُ مِنه:
          فيه: أنَّ للسلطان إذا رأى مَسغبةً أن يُفَرِّقَهم على السَّعة بقدر ما لا يجحِف بهم، قاله التَّيميُّ، وقال كثير مِن العلماء: إنَّ في المال حقوقًا سوى الزكاة، وإِنَّما جعل رسول الله صلعم على الاثنين واحدًا، وعلى الأربعة واحدًا، وعلى الخمسة واحدًا، ولم يجعل على الأربعة والخمسة بإزاء ما يجب للاثنين مع الثالث؛ لأنَّ صاحب العيال أولى أن يُرفَق به، والحاصل فيه أنَّ تشريك الزائد على الأربعة لا يضرُّ بالباقين، وكانت المواساة إذ ذاك واجبةً لشدَّة الحال، وزاد صلعم واحدًا واحدًا؛ رفقًا بصاحب العيال، وضيق مَعيشة الواحد، والاثنين أرفق بهم مِن ضيقٍ مَعيشة الجماعات.
          وفيه: فضيلة الإيثار والمواساة، وأنَّه عند كثرة الأضياف يوزِّعهم الإمام على أهل المحلَّة، ويعطي لكلِّ واحدٍ منهم ما يعلم أنَّهُ يحتمله، ويأخذ هو ما يمكنه، ومِن هذا أخذَ عُمَر بن الخَطَّاب ☺ فعلَه في عام الرَّماذة على أهل كلِّ بيت مثلهم مِن الفقراء، ويقول: لَنْ يهلك امرؤ عن نصف قوته، وكانت الضرورة ذلك العام، وقد تأَوَّل سفيان بن عُيَيْنَةَ في المواساة في المسغبة قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:111] ومعناه: أنَّ المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله تعالى عند توجُّه الحاجة إليهم؛ ولهذا قال كثيرٌ مِن العلماء: إنَّ في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد في «التِّرْمِذيِّ» مرفوعًا.
          وفيه: بيان ما كان عليه الشارع مِن الأخذ بأفضل الأمور، والسبق إلى السخاء والجود، فإنَّ عياله صلعم كانوا قريبًا مِن عدد ضيفانه هذه الليلة، فأتى بنصف طعامه أو نحوه، وأتى أبو بكر ☺ بثلث طعامه أو أكثر.
          وفيه: الأكل عند الرئيس وإن كان عنده ضيفٌ، إذا كان في داره مَن يقوم بخدمتهم.
          وفيه: أنَّ الولد والأهل يلزمهم مِن خدمة الضيف ما يلزم صاحب المنزل.
          وفيه: أنَّ الأضياف ينبغي لهم أن يتأدَّبوا وينتظروا صاحب الدار، ولا يتهافتوا على الطعام دونه.
          وفيه: الأكل مِن طعام ظهرت فيه البركة.
          وفيه: إهداء ما ترجى بركته لأهل الفضل.
          وفيه: أنَّ آيات النَّبِيِّ صلعم قد تظهر على يد غيره صلعم .
          وفيه: ما كان عليه أبو بكر ☺ مِن الحبِّ للنَّبِيِّ صلعم والانقطاع إليه وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل والأضياف.
          وفيه: كرامة ظاهرةٌ للصدِّيق ☺ .
          وفيه: إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل السُّنَّة.
          [وفيه: جواز تعريف العرفاء للعساكر ونحوهم].
          وفيه: جواز الاختفاء عن الوالد إذا خاف منه على تقصير واقعٍ منه.
          وفيه: جواز الدعاء بالجدْع والسبِّ على الأولاد عند التقصير.
          وفيه: ترك الجماعة لعذرٍ.
          [وفيه: جواز / الخطاب للزوجة بغير اسمها.
          وفيه: جواز القسم بغير الله]
.
          وفيه: حمل المضيف المشقَّة على نفسه في إكرام الضيفان، والاجتهاد في رفع الوحشة وتطييب قلوبهم.
          وفيه: جواز ادِّخار الطعام للغد.
          وفيه: مخالفة اليمين إذا رأى غيرها خيرًا منها.
          وفيه: أنَّ الراويَ إذا شكَّ يجبُ أن يُنبَّه عليه؛ كما قال: (لَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: وَامْرَأَتِي؟) ومثل لفظة (أو) أو (كما قال) ونحوها.
          وفيه: أنَّ الحاضر يَرى ما لا يراه الغائب، فإنَّ امرأة أبي بكر ☻ لمَّا رأت أنَّ الضيفان تأخَّروا عنِ الأكل؛ تألَّمت لذلك، فبادرت حين قدم تسأله عن سبب تأخُّره مثل ذلك.
          وفيه: إباحة الأكل للضيف في غَيبة صاحب المنزل، وألَّا يمتنعوا إذا كان قد أذِن في ذلك؛ لإنكار الصِّدِّيق في ذلك.
          فَرَغ هذا الجزءُ على يدِ مؤلِّفه فقيرِ رحمةِ ربِّه الغنيِّ، أبي محمَّد محمود بن أحمد العينيِّ، بعد صلاة الظُّهر يوم الثلاثاء التاسع مِن شهر ربيع الآخر عام؟؟؟ بدراه المجاوِرة لمدرسته التي أنشأها بحارة كتامة، بالقرب مِنَ الجامع الأزهر، فالمرجوُّ مِنَ الله تعالى بلوغُه إلى آخِرِ الكتاب، بِحُرْمَةِ مَن أنزل عليه الكتاب، صاحبِ الشَّفاعة يوم الحِساب، ويتلوه (كتاب الأذان) في الجزء الخامس.