عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

بيان استنباط الأحكام
  
              

          بيانُ استنباطِ الأحكامِ:
          منها ما قاله الخَطَّابيًّ: فيه: حجَّةٌ لمن منعَ روايةَ الحديث بالمعنى، وهو قولُ ابنِ سِيرِين وغيرِه، وكان يذهب هذا المذهبَ أبو العَبَّاس النَّحْويُّ، ويقول: ما مِن لفظةٍ مِنَ الألفاظِ المتناظرةِ في كلامِهم إلَّا وبينها وبينَ صاحبتِها فرقٌ وإن دقَّ ولطُفَ؛ كقولكَ: بلى ونعم.
          قُلْت: هذا البابُ فيه خلافٌ بينَ المُحدِّثين، وقد عُرِفَ في موضعِهِ، ولكن لا حجَّةَ في هذا للمانعين؛ لأنَّه يحتملُ الأوجهَ التي ذكرناها؛ بخلافِ غيرِه.
          ومنها: ما قالَه ابنُ بَطَّالٍ: فيه أنَّ الوضوءَ عندَ النَّومِ مندوبٌ إليه مرغوبٌ فيه، وكذلك الدُّعاءُ؛ لأنَّه قد تُقبَضُ روحُه في نومِهِ، فيكون قد ختمَ عملَهُ بالوضوءِ والدُّعاءِ الذي هو مِن أفضلِ الأعمالِ، ثُمَّ إنَّ هذا الوضوءَ مُستحَبٌّ، وإن كان مُتوَضِّئًا؛ كفاه ذلك الوضوءُ؛ لأنَّ المقصودَ النومُ على طهارةٍ؛ مخافةَ أن يموتَ في ليلته، ويكونَ أصدقَ لرؤياهُ وأبعدَ مِن تلعُّب الشيطانِ به في منامِهِ.
          ومنها: النَّومُ على الشَّقِّ الأيمنِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم كانَ يحبُّ التيامُنَ، ولأنَّه أسرعُ إلى الانتباهِ.
          وقال الكَرْمَانِيُّ: وأقولُ: وإلى انحدارِ الطَّعامِ كما هو مذكورٌ في الكتبِ الطِّبيَّةِ.
          قُلْت: الذي ذكره الأطبَّاءُ خلافُ هذا؛ فَإِنَّهُم قالوا: النومُ على الأيسرِ أروحُ للبدنِ وأقربُ إلى انهضِامِ الطَّعامِ، ولكنَّ اتِّباعَ السُّنَّةِ أحقُّ وأولى.
          ومنها: ذِكْرُ الله تعالى ليكونَ خاتمةَ عملِه ذلك، اللَّهمَّ؛ اختُمْ لنا بخيرٍ.