عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه
  
              

          6704- (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلعم يَخْطُبُ؛ إِذَا بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».
          (ش) مطابقته للجزء الثاني مِنَ الترجمة؛ لأنَّ نذر الرجلِ بترك القعود وترك الاستظلال وترك التكلُّمِ ليست بطاعةٍ، فإذا كان نذرُه في غيرِ طاعةٍ يكون معصيةً؛ لأنَّ المعصية خلاف الطاعة.
          و(مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أبو سَلَمَةَ المنقريُّ الذي يقال له: التَّبوذَكيُّ، و(وُهَيْبٌ) مُصغَّر (وَهْبٍ) ابن خالدٍ، و(أَيُّوبُ) هو السَّخْتيَانيُّ.
          والحديث أخرجه أبو داود في (الأيمان) عن موسى المذكور، وأخرجه ابن ماجه في (الكفَّارات) عن الحُسَين بن مُحَمَّدٍ الواسطيِّ.
          قوله: (يَخْطُبُ) زاد الخطيب في «المبهمات» مِن وجهٍ آخر: يوم الجمعة.
          قوله: (إِذَا بِرَجُلٍ) جواب قوله: (بَيْنَا النَّبِيُّ صلعم ) وفي رواية أبي يَعْلَى: (إذ التفت؛ فإذا هو برجلٍ).
          قوله: (قَائِمٍ) صفة (رَجُلٍ) وفي رواية أبي داود: (قائم في الشمس)، وفي روايةٍ: (قائم يصلِّي).
          قوله: (فَسَأَلَ عَنْهُ) أي: فسأل النَّبِيُّ صلعم عنِ الرجل.
          قوله: (فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ) في رواية أبي داود: (هو أبو إسرائيل)، وزاد الخطيب: (رجل مِن قريش)، وقال الكَرْمانيُّ: مِنَ الأنصار، وقال بعضهم: ترجم له ابن الأثير تبعًا لغيره، فقال: أبو إسرائيل الأنصاريُّ، واغترَّ بذلك الكَرْمانيُّ، فجزم بأنَّه مِنَ الأنصار، والأَوَّل أَوْلى انتهى.
          قُلْت: يُقال لهذا القائل: إن كان الكَرْمانيُّ اغترَّ بكلام ابن الأثير؛ فأنت اغتررْتَ بكلام الخطيب، وأولويَّة الأَوَّل مِن أين؟ مع أنَّ أبا عُمَر بن عبد البرِّ قال في «الاستيعاب» في (باب الكنى) : أبو إسرائيل رجلٌ مِنَ الأنصار مِن أصحاب النَّبِيِّ صلعم ، ثُمَّ ذكر حديثه المذكور، ثُمَّ قال: اسمُه يُسير؛ بِضَمِّ الياء آخر الحروف وبالسين المُهْمَلة، وقيل: قُشَيْر؛ بِضَمِّ القاف وفتح الشين المُعْجَمة، وقيل: قيصَر، باسم ملك الروم، ولا يشاركه أحدٌ في كنيته مِنَ الصحابة.
          قوله: (مُرْهُ) أمرٌ مِن (أَمَر) أي: مُرْ أبا إسرائيل، وفي رواية أبي داود: (مُرُوه) بصيغة الجمع.
          قوله: (وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) لأنَّ الصوم قربةٌ، بخلاف أخواته.
          وفي حديثه دليلٌ على أنَّ السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس بطاعةٍ، وكذلك الجلوس في الشمس، وفي معناه كلُّ ما يتأذَّى به الإنسان مِمَّا لا طاعة فيه ولا قربة بنصِّ كتابٍ أو سنَّةٍ؛ كالحَفاءِ وغيره، وإِنَّما الطاعة ما أمر الله به ورسولُه عليه الصَّلاة والسلام.
          -(ص) قَالَ عَبْدُ الوَهَّاب: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم .
          (ش) أشار بتعليقِه _عن (عَبْدِ الوَهَّاب) ابن عبد المجيد الثَّقَفيِّ، عن (أَيُّوبَ) السَّخْتيَانيِّ، (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عَبَّاسٍ_ إلى أنَّهُ رُويَ أيضًا مُرسلًا؛ لأنَّ عِكْرِمَة مِنَ التَّابِعينَ، واختلفوا / في مثل هذا؛ فقال الأكثرون: إنَّ الموصول أرجحُ؛ لزيادة العلم مِن واصله.