عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

الكلام على الحديث
  
              

          (ص) وَقَالَ أَصْبَغُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتيَانيِّ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ سِيرِينَ: حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى».
          (ش) هذا طريقٌ آخرُ مرفوعٌ، ولكنَّه معلَّقٌ، أخرجه عن (أَصْبَغ) بن الفَرَج المِصْريِّ أحد مشايخ البُخَاريِّ، عن عبد الله (ابنِ وَهْبٍ) المصريِّ أحد مشايخ الطَّحَاويِّ، عن (جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ) بالحاء المُهْمَلة والزاي، عن (أَيُّوبَ السَّخْتيَانيِّ) منسوبٌ إلى عمل سختيان أو بيعه، وهو فارسيٌّ معرَّبٌ، وهي جلودٌ، عن (مُحَمَّد بن سِيرِين)... إلى آخره، ووصله الطَّحَاويُّ عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهبٍ به.
          واعترض عليه الإسماعيليُّ أيضًا فقال: ذكر هذا الحديث بلا خبرٍ، وقد قال أحمد: حديث جريرٍ بمصر كأنَّه على التوهُّم، أو كما قال، وقال الساجيُّ: حدَّث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ، وأُجيب بأنَّه قد وافقه غيره عن أيُّوب، وفي الجملة هذه الطرق الخمسة تتقوَّى ببعضها، والحديث في الأصل مرفوعٌ فلا يضرُّه الوقف.
          قوله: / (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ) تمسَّك بظاهر لفظة الحسن وقتادة، وقالا: يُعقُّ عن الغلام ولا يُعقُّ عن الجارية، وعند الجمهور: يُعقُّ عنهما؛ لورود الأحاديث الكثيرة تذكر الجارية أيضًا على ما يجيء الآن.
          قوله: (فَأَهْرِيقُوا) يقال: هراق الماء يهريقه هراقةً، أي: صبَّه، وأصله: أراق يريق إراقةً، وفيه لغةٌ أخرى: أهرق الماء يُهرِقه إهراقًا، على (أفعل يُفعِل إفعالًا)، ولغةٌ ثالثةٌ: أهرق يهريق إهرياقًا.
          واعلم أنَّهُ أبهم فيه ما يُهرَاق، وكذا في الحديث الآتي، وبيَّن ذلك في عدَّة أحاديث؛ منها: حديث عائشة ♦ أخرجه التِّرْمِذيُّ مصحَّحًا مِن رواية يوسف بن ماهك: أنَّهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق ☺ [فسألوها عن العقيقة، فأخبرتهم: أنَّ عائشة أخبرتها]: أنَّ النَّبِيَّ صلعم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاةٌ، وأخرجت الأربعة مِن حديث أمِّ كُرْزٍ: أنَّها سألت النَّبِيَّ صلعم عن العقيقة فقال: «عن الغلام شاتان وعن الجارية واحدةٌ، ولا يضرُّكم ذكرانًا كنَّ أم إناثًا» قال التِّرْمِذيُّ: صحيحٌ، وأخرج أبو داود والنَّسائيُّ من رواية عَمْرو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جدِّه يرفعه في أثناء حديثٍ قال: «مَن أحبَّ أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاةٌ»، وقال داود بن قيسٍ راويه عن عَمْرٍو: سألت زيد بن أسلم عن قوله: «مُكَافِئَتَانِ» فقال: متشابهتان تُذبحان جميعًا؛ أي: لا يُؤخَّر ذبح إحداهما عن الأخرى، وحكى أبو داود عن أحمد: المتكافآن: المتقاربان، قال الخَطَّابيُّ: أي: في السنِّ، وقال الزَّمَخْشَريُّ: معادلتان لما يجزئ في الزكاة وفي الأضحية، وقع في رواية الطَّبَرَانِيِّ من حديثٍ آخرَ: قيل: ما المتكافئتان؟ قال: المثلان.
          قوله: (وَأَمِيطُوا) أي: أزيلوا، وقد مرَّ في أَوَّل الباب.
          قوله: (الأَذَى) قيل: هو إمَّا الشعر أو الدم أو الختان، وقال الخَطَّابيُّ: قال مُحَمَّد بن سِيرِين: لمَّا سمعنا هذا الحديث طلبنا مَن يعرف معنى إماطة الأذى فلم نجد، وقيل: المراد بالأذى: هو شعره الذي علق به دم الرحم فيماط عنه بالحلق، وقيل: إنَّهم كانوا يلطمون رأس الصبيِّ بدم العقيقة، وهو أذًى، فنَهَى عن ذلك، وقد جزم الأصمعيُّ بأنَّه حلقُ الرأسِ، وأخرجه أبو داود عن الحسن كذلك، والأوجه أن يُحمَل الأذى على المعنى الأعمِّ، ويؤيِّد ذلك أنَّ في بعض طرق حديث عَمْرو بن شُعَيْبٍ: ويماط عنه أقذاره، رواه أبو الشيخ.