عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: من أمسك كلبًا ينقص من عمله كل يوم قيراط
  
              

          3324- (ص) حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ: حَدَّثَنا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى قالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلعم : «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا؛ يَنْقُصْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ ماشِيَةٍ».
          (ش) (يَحْيَى) هو ابن أبي كثير.
          والحديثُ مرَّ في (كتاب المزارعة) في (باب اقتناء الكلب للحرث)، ومرَّ الكلامُ فيه مستوفًى، وقد ذكرنا أنَّ (القِيراطَ) له أصلٌ لمقدارٍ معلومٍ عند الله تعالى؛ والمراد: نقص جزءٍ مِن أجزاء عمله، وأَمَّا التوفيق بين (قِيراط) في هذا الحديث وبين (قيراطينِ) في روايةٍ أخرى؛ فباعتبار التغليظِ في القيراطينِ لمَّا لم ينته الناس، أو باعتبار كثرة الأذى مِنَ الكلب وقلَّته، أو باختلاف المواضع، فالقيراطانِ في المدينة النبويَّة؛ لزيادة فضلها، والقيراط في غيرها، أو القيراطانِ في المدن والقيراط في البوادي، وقال الرُّويانيُّ: اختلفوا في المرادِ بما ينقص منه؛ فقيل: ينقص مِمَّا مضى مِن عمله، وقيل: مِن مستقبلِه، واختلفوا في محلِّ نقصانها؛ فقيل: قيراط مِن عمل النهار، وقيراط مِن عمل الليل، وقيل: قيراط مِن عمل الفرض وقيراط مِن النفل، وقال القرطبيُّ: أقربُ ما قيل في ذلك قولان:
          أحدهما: أنَّ جميع ما عمِلَه مِن عملٍ ينقص لِمنِ اتَّخذ ما نُهِيَ عنه مِنَ الكلاب بإزاء كلِّ يوم يمسكه جزءان مِن أجزاء ذلك العمل، وقيل: مِن عمَلِ ذلك اليوم الذي يمسكه فيه.
          الثاني: يُحَطُّ مِن عَمَلِه عملان، أو مِن عمل يومِ إمساكِه؛ عقوبةً له على ما اقتحم مِنَ النهي.
          قوله: (إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ) وهو الزرع، و(الماشِيَةُ) اسمٌ يقع على الإبل والبقر والغنم، وأكثرُ ما يُستَعْمَل في الغنم.