مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب العتيرة

          ░4▒ باب العتيرة
          فيه حديث سفيان قال: الزهري... إلى آخره. هذا الحديث [أخرجه] (م) (د) (ت) (ق).
          واختلف في سفيان هذا: ففي (م) هو ابن عيينة.
          وقال (ن) وذكره عنه ابن عساكر والمزي ثنا ابن المثنى، عن أبي داود، عن شعبة قال أنا حدثت أبا إسحاق، عن معمر وسفيان بن حسين، عن الزهري قال أحدهما: ((لا فرع ولا عتيرة)).
          وقال الآخر: نهي عن الفرع والعتيرة. وفي كتاب الإسماعيلي: كما ذكرناه من عند (ن)، وخالف ذلك الطرقي، فذكره كذلك وأبدل ابن حسين بابن عيينة.
          وقد جاء ما يشعر بالإذن فيها: روى عبد الرزاق بسنده عن عائشة: أمر رسول الله بالفرع من كل خمسين شاة.
          قال ابن المنذر: حديث عائشة صحيح.
          وللنسائي بإسناد جيد من حديث الحارث بن عمرو الباهلي أنه لقي رسول الله في حجة الوداع، وقال له رجل: يا رسول الله، الفرائع والعتائر؟ فقال: ((من شاء فرع، ومن [شاء] لم يفرع، ومن شاء عتر، ومن شاء لم يعتر)).
          والفرع كما قال أبو عمرو وكذا الفرعة: بنصب الراء: أول ولد تلده الناقة، كانوا يذبحونه في الجاهلية لآلهتهم.
          زاد غيره: ثم يأكلونه ويلقون جلده على الشجر، فنهوا عنه، وقال ابن فارس: هو أول النتاج من الإبل والغنم، وقال الفراء وغيره: هو نتاج الإبل.
          قال أبو عبيد: وإنما العتيرة: وهي الرجبية، كان أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمراً، نذر إن ظفر به أن يذبح من غنمه في رجب كذا وكذا، فنسخ ذلك بعد.
          قال ابن فارس: كان الصنم المذبوح له عتيراً. يريد: فلذلك سميت عتيرة.
          وقال الفراء: سميت عتيرة؛ بما يفعل من الذبح، وهو العتر، فهي فعيلة بمعنى مفعولة.
          وكان ابن سيرين من بين سائر العلماء، يذبح العتيرة في رجب؛ أي: في العشر الأول منه، وكان يروي فيها شيئاً لا يصح، والعلماء مجمعون على القول بحديث أبي هريرة.
          وكان ابن عون يعتر.
          وقال الشافعي: الفرع شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم، فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته، فلا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده، فسألوا رسول الله فقال: ((فرعوا إن شئتم)).
          قال: وقوله: ((الفرع حق)) معناه: ليس (بباطل)، وهو كلام عربي خرج على جواب السائل.
          قوله: (لا فرع ولا عتيرة) أي: لا فرع واجب، ولا عتيرة واجبة.
          والصحيح عند أصحابنا كما قال النووي وهو نص الشافعي استحباب الفرع / والعتيرة.
          وأجابوا عن قوله: ((لا فرع ولا عتيرة)) بثلاثة أجوبة:
          1- ما تقدم عن الشافعي.
          2- المراد: نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم.
          3- أنهما ليستا كالأضحية في الاستحباب وفي إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة، وقد نص الشافعي في ((سنن حرملة)) أنهما إن تيسرتا كل شهر كان حسناً.
          وادعى عياض أن جماهير العلماء على نسخ الأمر بهما.
          والفرع ذكر أبو عبيد أنه بفتح الراء، وكذلك الفَرَعة: وهو أول ما تلده الناقة كما سلف، وقد أفرع القوم: إذا فعلت إبلهم ذلك.
          وعند عياض: هو أول ما تنتج الناقة، يذبحونه لطواغيتهم؛ ورجاء البركة في الأم وكثرة نسلها.
          وقيل: العتيرة: نذر كانوا ينذرونه إذا بلغ مال أحدهم كذا، أن يذبح من كل عشرة منها شاة في رجب.
          وذكر الجاحظ في ((حيوانه)): أن منهم من يجعل عتائره من صيد الظباء.
          وقال الداودي: العتيرة مباحة، وكذلك الخرس: وهو طعام المولود، والعرس: طعام النكاح، والختان: الإعذار، والنقيعة: طعام القادم يصنع للقبائل إذا قدموا على قوم ليصلحوا بينهم، والوكيرة: طعام يصنع للبناء، ذكره ابن فارس، انتهى كلام ابن الملقن ⌂.
          أقول:
          (الوليمة) طعام العرس والعقيقة طعام الأملاك، والأعذار طعام الختان، والخرس طعام الولادة، والعقيقة طعام سابع المولود، والعقيقة طعام يصنع عند قدوم الرجل من سفره، والوكيرة طعام يصنع عند الثناء بثنية الرجل في داره، والمأدبة كل طعام يصنع لدعوة والجفلى دعوة العامة والقوي دعوة الخاصة، والسعلة طعام يتقلل به بعد الغداء والطعام الذي يعمل عند المأتم يسمى الوضيمة.
          قال والدي ⌂:
          قال الأصمعي: العقيقة أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد وسميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقة؛ لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح.
          قوله: (تحنيكه) يقال حنك الصبي إذا مضغت تمراً أو غيره ثم دلكته بحنكه.
          قوله: (إسحاق بن نصر) بسكون المهملة، و(بريد) مصغر البرد بالموحدة، و(أبو بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء وبالمهملة عامر.
          قوله: (متم) يقال: أتمت الحبلى فهي متم إذا تمت أيام حملها والفصيح في (قباء) المد والصرف وحكى القصر وكذا ترك الصرف، و(الحجر) بفتح الحاء وكسرها، و(تفل) بالفوقانية والفاء أي: بزق، و(برك) أي: دعا له بالبركة.
          فإن قلت: كيف دل على أن التسمية كانت غداة يولد لمن لم يعق كما ذكر في الترجمة؟ قلت: علم من كونها مع التحنيك إذ هو غالباً وعادة إنما يكون عقيب الولادة قبل كل شيء من العقيقة وغيرها.
          قوله: (أول) مولود بالمدينة بعد الهجرة من أولاد المهاجرين وإلا فالنعمان ابن بشير ضد النذير الأنصاري ولد قبله بعد الهجرة.
          قوله: (مطرف بن الفضل) بسكون المعجمة المروزي، و(يزيد) من الزيادة ابن هارون، و(عبد الله بن عون) بفتح المهملة وبالواو وبالنون، و(أبو طلحة) هو زيد بن سهل زوج أم أنس أم سليم مصغر السلم، وقالت (أسكن) وهو أفعل التفضيل(1) وإنما أرادت بقولها سكون الموت وظن أبو طلحة أنها تريد سكون الشفاء، و(أصاب منها) أي: جامعها، و(واروا الصبي) أي: ادفنوه، و(أعرستم) من الإعراس وهو الوطء يقال: أعرس بأهله إذا غشيها / وهذا السؤال للتعجب من صنيعهما وصبرهما وسروره بحسن رضاها بقضاء الله تعالى.
          وفي الباب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى الصالح يحنكه والتسمية بأسماء الأنبياء وجواز تسميته يوم ولادته وتفويض التسمية إلى الصالحين، ومنقبة أم سليم من عظيم صبرها وحسن رضاها بالقضاء وجزالة عقلها في إخفائها موته عن أبيه في أول الليل ليبيت مستريحاً، واستعمال المعاريض وإجابة دعاء رسول الله صلعم في حقها حيث حملت بعبد الله بن أبي طلحة، وجاء من أولاد عبد الله عشرة صالحون علماء ♥ ومناقب كثيرة لعبد الله بن الزبير.
          قوله: (محمد بن المثنى) ضد المفرد، و(محمد بن أبي عدي) بفتح المهملة أولاً وكسرها ثانياً، و(عبد الله بن عون) بفتح المهملة وإسكان الواو وبالنون، و(محمد) أي: ابن سيرين، و(أنس) أي: ابن مالك قال أبو عبد الله البخاري: اختلفا في أنس بن سيرين ومحمد بن سيرين أي: اختلف الطريقان في أن في الأول روى يزيد عن ابن عون عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك، وفي الثاني روى ابن أبي عدي عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك فالرواية دائرة بين الأخوين.
          قوله: (سلمان) هو ابن عامر الضبي بفتح المعجمة وشدة الموحدة الصحابي. قال الكلاباذي: روى عن سلمان الضبي محمد بن سيرين حديثاً موقوفاً في الأطعمة وهو في الأصل مرفوع.
          قوله: (حجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى ابن المنهال بكسر الميم وإسكان النون، و(حماد) هو ابن زيد، و(هشام) وهو ابن حسان الأزدي، و(حبيب) ضد العدو ابن الشهيد بفتح المعجمة وكسر الهاء، و(عاصم) أي: الأحول، و(الرباب) بفتح الراء وخفة الموحدة الأولى، بنت ضُليع مصغر الضلع بالمهملتين ابن عامر الضبي، تروي عن عمها سلمان، و(يزيد) من الزيادة، ابن إبراهيم التستري، و(أصبغ) بفتح الهمزة والموحدة وتسكين المهملة وبإعجام الغين، ابن فرج بالفاء والراء والجيم المصري، و(عبد الله) هو: ابن وهب، و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى، ابن حازم بالمهملة وبالزاي، و(أيوب) هو السختياني بفتح المهملة وإسكان المعجمة وكسر الفوقانية وبالتحتانية والنون، وهو منسوب إلى السختيان فارسي معرب، ومعناه الجلد بكسر الجيم.
          قوله: (أهريقوا) يقال: هراق الماء يهريقه بفتح الهاء هراقة أي: صبه وأصله أراق يريق إراقة وفيه لغة أخرى أهرق الماء يهريقه إهراقاً على أفعل يفعل إفعالاً ولغة ثالثة أهراق يهريق إهرياقاً.
          قوله: (الأذى) قيل هو إما الشعر أو الدم أو الختان.
          الخطابي: قال محمد بن سيرين: لما سمعنا هذا الحديث طلبنا من يعرف معنى إماطة الأذى فلم نجد وقيل المراد بالأذى هو شعره الذي علق به دم الرحم فيماط عنه بالحلق، وقيل إنهم كانوا يلطخون رأس الصبي بدم العقيقة وهو أذى فنهى عن ذلك.
          أقول: يحتمل أن يراد به آثار دم الرحم فقط.
          قوله: (عبد الله) ابن محمد ابن أبي الأسود ضد الأبيض، و(قريش) مصغر القرش بالقاف والراء والمعجمة ابن أنس بفتح الهمزة والنون البصري مات سنة تسع ومائتين، و(حبيب) بفتح المهملة، و(سمرة) بفتح المهملة وضم الميم وبالراء ابن جندب بضم الجيم وإسكان النون وفتح المهملة وضمها الفزاري بالفاء وخفة الزاي وبالراء الكوفي الصحابي.
          قوله: (الفرع) بالفاء والراء المفتوحتين وبالمهملة، و(العتيرة) بفتح المهملة وكسر الفوقانية وبالراء النسيكة التي تعتر أي تذبح وكان أهل الجاهلية يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية. الخطابي / : تفسيرهما الموصول بالحديث أحسبه من قول الزهري يعني ليس من قول رسول الله صلعم.
          وقال الشافعي: الفرع أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه فلا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة ونحوه وقالوا باستحبابها وأول الحديث بأن المراد لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة أو بأن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم. قال النووي في ((شرح (م))): قد صح الأمر بالفرع والعتيرة.
          الزركشي:
          (وأنا متم) يقال: امرأة متم للحامل إذا شارفت الوضع، والتمام والتاء فيهما بالكسر.
          (وكان أول مولود ولد في الإسلام) يريد بالمدينة من المهاجرين، وكان النعمان بن بشير أول من ولد بالمدينة من الأنصار بعد مقدم النبي صلعم.
          (أعرستم الليلة) بسكون العين وتخفيف الراء على أنه استفهام، وإن لم يدخله حرف استفهام، من قولهم: أعرس الرجل إذا دخل بامرأته عند بنائه بها، وأراد به هاهنا الوطء فسماه إعراساً؛ لأنه من توابع الإعراس.
          وضبطه الأصيلي: ((أعرستم)) بتشديد الراء، قال القاضي: وهو غلط إنما ذلك في النزول، وكذا قال ابن الأثير: لا يقال فيه: عرس(2).
          لكن ذكر صاحب ((التحرير)) أنه يروى بفتح العين وتشديد الراء على أن الألف للاستفهام، قال: وهي لغة في عرس بأهله كأعرس، والأفصح أعرس.
          (هو أسكن ما كان) الألف فيه للتفضيل، أو أرادت به سكون الموت، وظن أبو طلحة أنها تريد سكون العافية والصبي المتوفى أبو عمير الذي جاء ذكره في حديث النغير، وهو أخو أنس بن مالك لأمه.
          (مع الغلام عقيقة) العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود، من العق وهو الشق والقطع، وقيل للذبيحة: عقيقة؛ لأنه يشق حلقها، ويقال للشعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمه: عقيقة؛ لأنه يحلق، وجعل الزمخشري الشعر أصلاً والشاة المذبوحة مشتقة منه.
          (فأهريقوا) يقال: أراق يريق وهراق يهريق، وقد يجمع بينهما كما جاء في هذا الحديث جمعاً بين البدل والمبدل منه.
          وقال صاحب ((الفائق)): يقال: هراق فقلبت الهمزة هاء، وأهراق بزيادتها كما زيدت السين في إسطاع، فهي في مضارع الأول محركة، وفي مضارع الثاني مسكنة.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          (باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق) قيل التسمية لمن لم يعق غريب وهو مذهب مالك.
          قوله: (بصبي يحنكه) هو عبد الله بن الزبير أو الحسن أو الحسين.
          قوله: (أول مولود ولد في الإسلام) يعني من المهاجرين القادمين من مكة لأنه ولد قبله أولاد بالحبشة للمسلمين.
          وقوله: (من المهاجرين احتراز من الأنصار) فإن النعمان بن بشير ولد قبله وهو من الأنصار.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: كيف جاز لها أن تقول كلمة مبهمة يفهم منها غير المعنى الأصلي فيها وهو نوع كذب؟ قلت: رأت أن الصبي مات ولا ينفع حزن في ذلك وأرادت أن تفرج هم أبي طلحة ليأكل ويشرب.... ما قالت ومثل هذا جائز عند المصلحة ألا ترى أن النبي ◙ استحسن منها ذلك ولم يعاتبها على ما قالت فلو لم يكن مثل ذلك جائز لعاتبها ◙ عليه)).
[2] في هامش المخطوط: ((التعريس نزول المسافر آخر الليل، قوله للاستراحة والنوم يقال فيه عرس يعرس تعريساً ويقال فيه أعرس والمعرس موضعة التعريس وبه سمي معرس ذي الحليفة عرس به النبي صلعم وصلى فيه الصبح ثم رحل، قاله في النهاية)).