الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: أما عثمان فقد جاءه والله اليقين وإني لأرجو له الخير

          2687- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) بألف قبل النون، هو الحَكَمُ بنُ نافعٍ، قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) أي: ابنُ أبي حمزةَ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أي: محمدِ بنِ شِهابٍ، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفرادِ لغير أبي ذرٍّ (خَارِجَةُ) بخاء معجمة أوله وجيم قبل التاء (ابْنُ زَيْدٍ) أي: ابنِ ثابتٍ (الأَنْصَارِيُّ) / وخارجةُ: تابعيٌّ ثِقةٌ، أحدُ فقهاءِ المدينةِ السبعة.
          (أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ) بفتح العين المهملة والمد، وهي كما قال التِّرمذيُّ: أمُّ خارجةَ الرَّاوي عنها، وبنتُ الحارث بنِ ثابتٍ الخزرجيُّ (امْرَأَةً) بالنَّصبِ، بدَلٌ من ((أمَّ العلاء)) لا صِفةٌ كما قال القسطلانيُّ (مِنْ نِسَائِهِمْ) صفةُ ((امرأةً)) ويحتملُ أنَّ نصبَ امرأةً بتقدير: أعني، ويجوزُ رفعُه خبراً لمحذوف، وضميرُ ((نسائهم)) للأنصار، المدلولُ عليه بـ ((الأنصاري)).
          وجملة: (قَدْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صلعم) صفة ثانيةٌ لـ((امرأةً)) أو حالٌ منها، لا خبرُ ((أنَّ)) بل خبرُها جملةُ: (أَخْبَرَتْهُ) والرابطُ ضميرُ الفاعل، وضميرُ النصبِ عائدٌ على ((خارجةَ)) (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ) بسكون الظاء المشالة وضم العين المهملة، مصروفٌ؛ أي: الجُمَحيُّ، أحدُ السابقين للإسلام، وهو أخو النبيِّ صلعم من الرَّضاعة، وسبقَ في كتابِ الجنائز ☺.
          (طَارَ) بالطاء المهملة؛ أي: وقع وخرج (لَهُ) أي: لعُثمانَ، ووقع لأبوَي ذرٍّ والوقت: <لهم> أي: للمُقارِعين المدلولِ عليهم بـ((أقرعَتِ الأنصارُ)) (سَهْمُهُ) فاعلُ ((طار)) أي: خرجَ سهمُ عُثمانَ (فِي السُّكْنَى) أي: عندهم (حِينَ اقْتَرعَتْ) بفتح الفوقية وسكون القاف (الأَنْصَارُ) وفي بعض الأصُول: <أَقرَعَت> بحذف تاء الافتعال، وعزاها القسطلانيُّ للفرع (سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ) أي: لمَّا هاجروا للمدينة ولم يكُنْ لهم مساكنُ.
          (قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ) أي: المارَّةُ آنفاً (فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى) بفوقية مفتوحة؛ أي: فمَرِضَ وكان مرَضُه... (فَمَرَّضْنَاهُ) بفتح الراء المشددة؛ أي: فقُمْنا بأمرِه المتعلِّقِ بالتَّمريض (حَتَّى إِذَا تُوُفِّي) بضم الفوقية والواو مبنيٌّ للمفعول، وكانت وفاتُه بعد الهجرةِ بسنتَين (وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ) أي: جعلنا ثيابَ عُثمانَ التي كانت عليه في حياتِه كفَناً له بعد أن غسَّلناه.
          وجملة: (دَخَلَ عَلَيْنَا) يعني: الأنصارَ (رَسُولُ اللَّهِ صلعم) جوابُ ((إذا)) وجملةُ: (فَقُلْتُ) إلى ((فقال لي)) من كلامِ أمِّ العلاء (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ) جملة اسميةٌ من مَقولِ: ((فقلت)) (أَبَا السَّائِبِ) بالسين المهملة، كُنيةُ عثمانَ بنِ مظعونٍ؛ أي: يا أبا السائب (فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ) أي: لك (لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ) دخلت اللامُ في ((لقد)) لتُضمَّنَ معنى: شهادتَي عليك القَسَمُ.
          (فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلعم: وَمَا يُدْرِيكِ) بكسر الكاف، خطابٌ لأمِّ العلاء؛ أي: وأيُّ شيءٍ يُعلِمُك (أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ) فـ((ما)) استفهامُ إنكارٍ (فَقُلْتُ) بضم الفوقية (لاَ أَدْرِي) أي: لا أعلمُ (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) أي: أفديك بهما (يَا رَسُولَ اللَّهِ) ونفيُها الدِّرايةَ بمعنى العلم لا يُنافي قولَها الأول؛ لأنَّه بحسَبِ غلَبةِ الظنِّ، وإنكارُه عليه السَّلامُ عليها قولَها؛ لأنَّ ظاهرَه الجزمُ، وقد أرشدَها صلعم إلى ما ينبغِي بقولِه:
          (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم: أَمَّا عُثْمَانُ) أي: ابنُ مظعونٍ (فَقَدْ جَاءَهُ) أي: أتاه (وَاللَّهِ) بالجرِّ قسَمٌ (الْيَقِينُ) فاعلُ جاءَه؛ أي: المَوتُ، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99].
          (وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ) أي: من الله (وَاللَّهِ) قسَمٌ (مَا أَدْرِي) أي: لا أعلمُ، فـ ((ما)) نافيةٌ، وجملة: (وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ) حاليةٌ أو معترِضةٌ (مَا يُفْعَلُ بِي) ببناء ((يُفعَلُ)) للمجهول، و((ما)) استفهاميةٌ أو موصولةٌ مفعولُ ((أدري))، و((بي)) بياء المتكلِّمِ لغيرِ الكُشميهَنيِّ، وله: <به> بهاء ضميرِ الغائب العائدِ لعثمانَ، وجوَّزَ الكِرمانيُّ رجوعَه أيضاً لرسولِ الله صلعم، والروايةُ الأولى موافقةٌ لقولِهِ تعالى في سورة الأحقاف: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف:9].
          (قَالَتْ) أي: أمُّ العلاء (فَوَاللَّهِ) الفاءُ للسببيَّةِ، وما بعدَها قسَمٌ / (لاَ أُزَكِّي) بكسر الكاف المشددة (أَحَداً بَعْدَهُ أَبَداً، وَأَحْزَنَنِي) بالواو لغيرِ أبي ذرٍّ، وله بالفاء، وهو من الحُزنِ _بالحاء المهملة والزاي_ (ذَلِكَ) بفتح الكاف، خطابٌ لخارجةَ بنِ زيدٍ؛ أي: الذي قاله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حقِّ عثمانَ.
          (قَالَتْ: فَنِمْتُ فَأُرِيتُ) بضم الهمزة فراء مكسورة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهَنيِّ: <فرأَيتُ> أي: في المنام (لِعُثْمَانَ) أي: ابنِ مظعونٍ (عَيْناً تَجْرِي) بفتح الفوقية أولَه (فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم فَأَخْبَرْتُهُ) أي: بما رأيتُ لعُثمانَ (فَقَالَ ذَلِكِ) بكسر الكاف، ولأبي الوقتِ: بفتحها؛ لتأويلِها بالشَّخصِ، ولأبي ذرٍّ: <ذاك> (عَمَلُهُ) بإسقاط لامِ ((ذلك)).
          قال الكِرمانيُّ: قيل: وإنَّما عبَّرَ الماءَ بالعملِ، وجَرَيانَه بجَريانِه؛ لأنَّ كلَّ ميِّتٍ يُختَمُ على عمَلِه، إلاَّ الذي مات مُرابِطاً، فإنَّ عمَلَه ينمو إلى يومِ القيامة، وتقدَّمَ الكلامُ على الحديثِ بأبسطَ في أوائل الجنائز، والغرَضُ منه هنا قولُه: ((حين اقترعَتِ الأنصارُ)) فافهم.