الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: هاجر إبراهيم بسارة فأعطوها آجر فرجعت

          2635- وبالسند قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ) أي: الحكم بن نافع، قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) أي: ابن أبي حمزة، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) هو: عبدُ الله بنُ ذكوانَ (عَنِ الأَعْرَجِ) أي: عبدِ الرحمنِ بنِ هُرمزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلعم قَالَ: هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ) أي: الخليلُ عليه السَّلام (بِسَارَةَ) أي: زوجتِه أمِّ إسحاقَ (فَأَعْطَوْهَا) بفتح الطاء؛ أي: الجبَّارَ، ومَن أمَرَه (آجَرَ) بمد الهمزة وفتح الجيم، ويقال فيها: هاجرَ، بل هو الأصلُ، وهي أمُّ إسماعيلَ، وفي الكلامِ حذفٌ تقدَّمَ بيانُه في باب شراءِ المملوكِ من الحربيِّ، فإنه رواه هناكَ مبسوطاً.
          وفيه: ((هاجرَ إبراهيمُ بسارةَ، فدخلَ بها قريةً فيها ملكٌ من الملوك، أو جبَّارٌ من الجبابرةِ، فقيل: دخَلَ إبراهيمُ بامرأةٍ، وهي من أحسنِ النِّساءِ، فأرسلَ إليه)) إلى أن قال: ((أرجِعُوها إلى إبراهيمَ، وأعطُوها هاجرَ، فأعطَوها آجَرَ)).
          (فَرَجَعَتْ) أي: سارةُ إلى إبراهيمَ (فَقَالَتْ) أي: سارةُ لإبراهيمَ (أَشَعَرْتَ) بفتح العين (أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ) بكاف وموحدة فمثناة فوقية مفتوحات؛ أي: صرَفَ وأذَلَّ (الْكَافِرَ) أي: الجبَّارَ (وَأَخْدَمَ) بسكون الخاء المعجمة (وَلِيدَةً) بفتح الواو / وكسر اللام؛ أي: جاريةً.
          (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ) أي: محمدٌ مما هو موصولٌ في أحاديث الأنبياء (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: فَأَخْدَمَهَا) أي: فأخدَمَ اللهُ سارةَ (هَاجَرَ) غرضُ المصنِّف من هذا أنَّ الإخدامَ للتمليكِ، وكذلك الكِسوةُ، لا ما قاله بعضُ الناس من أنَّ الكسوةَ هبةٌ، وأنَّ الإخدامَ على ما يتعارفُه الناسُ.
          تنبيه: في معنى الترجمة ما لو أعطى إنسانٌ غيرَه دراهمَ، وقال: اشترِ لك بها عِمامةً أو نحوَها، أو ادخُلْ بها الحمَّامَ، أو نحو ذلك، تعيَّنَ صرفُه لذلك ما لم يكُن قولُ ذلك للتجمُّلِ وللحياءِ منه ونحوِهما، وإلا: فيجوزُ صرفُه لما يشاءُ، ومن ذلك ما لو طلبَ الشاهدُ من المشهودِ له أجرةَ مركوبٍ ليركَبَه لمحَلِّ أداءِ الشهادة.
          لكن قال الإسنويُّ: والصحيحُ أنَّ له صرفَها إلى جهةٍ أخرى كما ذكروه، قال: والفرقُ أنَّ الشاهدَ يستحقُّ أجرةَ المركوب، فله التصرُّفُ كيفَما أراد، وما قبلَه من باب الصدقةِ والبرِّ، فرُوعيَ فيه غرَضُ الدافع، وإنْ أعطاه كفناً لنحوِ أبيه، فكفَّنَه في غيرِه، فيلزَمُه ردُّه له إن قصدَ التبرُّكَ بأبيه، ومن ذلك ما يأخذُه خدَمةُ مشايخِ الصُّوفيةِ، فإنْ قصدَهم الدَّافعُ فالملكُ مُشتركٌ، أو دونهم فمختصٌّ به، وكذا إنْ أطلَقَ.