الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: في الملازمة

          2424- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ) مصغَّراً، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) قال: (حَدَّثَني) بالإفراد (جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ) ولأبي ذرٍّ: <عن جعفر>.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غيرُ يحيى بنِ بُكير، وهو شُعيبٌ ممَّا وصَله الإسماعيليُّ من طريقِ شُعيبِ بن اللَّيثِ عن أبيهِ، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفرادِ (اللَّيْثُ) أي: ابن سعدٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ) قال العينيُّ: والفرقُ بين الطَّريقينِ أنَّ الأوَّل روي: بعن، والثاني: بحدَّثني، وما قاله إنَّما يتأتَّى، كما قاله القسطلانيُّ على روايةِ أبي ذرٍّ.
          (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ) بضمِّ الهاء والميم، كذا لأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ، وسقطَ: <ابنُ هُرمُز> لغيره (عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ) / وفي بعضِ الأصُول: <عن عبدِ اللهِ> بدل: ((عبدِ الرَّحمن)).
          (عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) هو والدُ عبد الرَّحمن المذكور (أَنَّهُ) أي: كعبَ بن مالكٍ (كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ) بفتح الحاء المهملةِ والرَّاء بينهما دال مهملةٌ ساكنةٌ، مصروفٌ (الأَسْلَمِيِّ) بسكون السِّين المهملة وفتحِ اللام، نسبةً إلى أسلم (دَيْنٌ) اسم ((كان)) مؤخَّر، وسبقَ من رواية الطَّبرانيِّ أن الدَّين كان أوقيتين.
          (فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ) يحتملُ أن فاعليهما لـ((كعب))، فمفعولاهما لـ((ابن أبي حدرد)) ويحتملُ العكسُ، وإن كانَ فيه بعدٌ بالنِّسبةِ للزمَهُ، ويحتملُ أنَّ فاعلَ ((لقيهُ)) لـ((ابنِ أبي حَدْرد)) وفاعلَ ((لزمَهُ)) لـ((كعب))، فافهم.
          (فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صلعم) أي: بعدَ أنْ خرجَ إليهما من بيتهِ حين سمعَ أصْواتهُمَا كمَّا مرَّ في باب: كلامِ الخصُومِ بعضِهِم في بعضٍ.
          (فَقَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم (يَا كَعْبُ. وَأَشَارَ) أي: النَّبيُّ صلعم (بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ) أي: لكعبٍ (النِّصْفَ) أي: ضعْ أو اترُكِ النصفَ؛ أي: أسقطْهُ عن غَرِيمك، ففيه جوازُ الشَّفاعة في وضعِ بعضِ الدَّين.
          (فَأَخَذَ) أي: كعبٌ (نِصْفَ مَا عَلَيْهِ) أي: على غَريمهِ، وهو: عبدُ الله بنُ أبي حَدْرد (وَتَرَكَ نِصْفاً) أي: ولم يأخذهُ لشفاعةِ النَّبيِّ صلعم في إسقاطِهِ.
          وفي الحديثِ جوازُ ملازمةِ الغريمِ؛ لأنَّ النَّبيِّ صلعم لم ينكِرْ على كعبٍ ملازمتَهُ لغريمهِ حين مرَّ بهمَا.
          قال ابنُ الملقِّن: وسائرُ الفقهاءِ لا يُنكرونَ على صاحبِ الدَّين أن يطلبَ دينهُ كيفَ أمكنَهُ بإلحاحٍ عليه وملازمتِهِ أو غيرِ ذلك، وإنَّما اختلفُوا في الغريمِ المعدمِ هل يلازمُه غريمهُ بعدُ ثبوتِ الإعدامِ وإطلاقِهِ من السِّجنِ أم لا، وقد سلفَ ذلك في حديث: ((مطلُ الغَنيِّ ظُلمٌ))، انتهى.
          زادَ العينيُّ هنا فعندَ أبي حنيفةَ له أن يلازمَهُ ويأخذ فضْلَ كسبِهِ ويُقاسمهُ أصحابُ الدُّيونِ إن كانَ عليه لجمَاعةٍ، وعند أبي يوسفَ ومحمَّد: يُحالُ بينه وبين غُرَمائه إلاَّ أن يُقيمُوا البيِّنة أنَّ له مالاً، انتهى فاعرفهُ.