الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان النبي يصلي من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة

          995- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) أي: محمَّدُ بن الفضل السَّدوسي (قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ) أي: ابن الخطَّاب ☻ (أَرَأَيْتَ) أي: أخبرني (الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) أي: سنَّة صلاة الصُّبح (نُطِيلُ) كذا للأكثر بنون المتكلم، ومعه غيرهُ، أو المعظم نفسهُ، وللكُشميهني: بهمزة المتكلِّم وحده، وحذف همزة الاستفهام فيهما، لكنَّها مقدَّرةٌ.
          وجوَّز الكرمانيُّ في ((أطيل)) أن يكون ماضياً مجهولاً، واستبعدَهُ في ((الفتح)) ورأيت في نسخةٍ معتمدةٍ: <أنطيل> بهمزة الاستفهام ونون الجمع، وللحمويِّ بهمزة الاستفهام وبتاء الخطاب أوَّله، وفي الفرع لأبي ذرٍّ عن الحمويِّ والمستمليِّ: <تطويل> بلا همزةٍ مصدر طوَّل _بالتشديد_ وهو بدلٌ من الرَّكعتين.
          (فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ فَقَالَ) أي: ابن عمر، ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ وابن عساكر: <قال> (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) ولابن عساكر: <بالليل> (مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ) استدلَّ به على فضل الفصل لكونه فعله مع أمرهِ به، وأمَّا الوصل فورد من فعله / فقط، ولم يعيِّن للصَّلاة وقتاً؛ لكن بيَّنته عائشةُ أنَّه فعل ذلك في جميع أجزاء الليل (وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ) ولأبوي ذرٍّ والوقت والأصيليِّ: <ركعتين> (قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) أي: الصُّبح، والمرادُ بالركعتين: سنَّتها.
          (وَكَأَنَّ) بتشديد النون، حرف تشبيهٍ (الأَذَانَ) يعني: الإقامةَ (بِأُذُنَيْهِ) بضم الذال وسكونها، تثنية: أُذُن، والجملة حالٌ من فاعل ((يصلي))، و((كأن)) ليست لإنشاءِ التَّشبيه _كما وقع لبعضهم_ وإلَّا لم تقعْ حالاً هنا، قاله الدَّمامينيُّ في ((المصابيح)).
          (قَالَ حَمَّادٌ) أي: السَّابقُ بالإسناد المارِّ (أَيْ سُرْعَةٌ) يحتمل أنَّه مرفوعٌ؛ لأنَّه تفسير لخبر ((كأن))، ويحتملُ نصبه على أنَّه تفسيرٌ لقوله: ((كأنَّ الأذان بأذنيه))، أو بنزع الخافض فتأمل، ولأبوي ذرٍّ والوقت كما في الفرع، وابن شبوية: <بسرعة> بموحدة، وهو تفسيرٌ من الرَّاوي، والمعنى: أنَّه كان يسرعُ بركعتي الفجر إسراعَ من يسمع إقامة الصَّلاة خشيةَ فوات أوَّل الوقت، ومقتضى ذلك تخفيفُ القراءة فيهما، فيحصلُ به الجواب عن سؤال أنسِ بن سيرين عن قدر القراءة فيهما، ووقع في رواية مسلمٍ أن أنساً _أي ابن سيرين_ قال لابن عمر: إني لستُ عن هذا أسألك قال: إنَّك لضخمٌ، ألا تدعني أستقرئُ لك الحديث؟ انتهى.
          ويستفادُ من هذا: جواب السَّائل بأكثر ممَّا سأل عنه إذا كان مما يحتاجُ إليه، ومن قوله: إنَّك لضخمٌ: أن السَّمين في الغالب يكونُ قليل الفهم.
          والحديثُ أخرجهُ مسلمٌ والتِّرمذيُّ وابن ماجه.