الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا

          952- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ) بلا إضافة مصغَّر: عبد (ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) أي: الكوفيُّ، وهو من أفرادِ البخاريِّ (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) أي: حمَّاد بن أسامةَ (عَنْ هِشَامٍ) بكسر الهاء (عَنْ أَبِيهِ) أي: عروة بن الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ ♦ قَالَتْ: دَخَلَ) أي: بيتي (أَبُو بَكْرٍ) أي: والدُها ☺ (وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ) تقدَّم الكلامُ على ذلك في الباب قبله.
          (تُغَنِّيَانِ) بضم المثناة الفوقية؛ أي: بدفٍّ، أو بدفين، / كما تقدَّم في الباب السَّابقِ (بِمَا) متعلِّقٌ بـ((تغنيان))، ولأبوي ذرٍّ والوقت عن الكشميهني: <مما> بميمين (تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ) أي: بما قالهُ بعضهم لبعضٍ من فخرٍ أو هجاء (يَوْمَ بُعَاثَ) سبقَ الكلامُ على ذلك مستوفًى فيما قبلهُ (قَالَتْ) أي: عائشةُ ☺ (وَلَيْسَتَا) أي: الجاريتان (بِمُغَنِّيَتَيْنِ) تثنية: مغنِّية، بكسر النون المشددة فيهما.
          قال عياضٌ: أي: وليستا ممَّن يغنِّي بعادةِ المغنِّيات من التَّشويق والهوى، والتعريضِ بالفَواحِشِ، والتشبُّب بأهل الجمال، وما يحرِّك النُّفوس، كما قيل: الغناءُ رقية الزِّنا، وليستا أيضاً ممن اشتهرَ بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسيرٌ، وعمل يحرك الساكن، ويبعثُ الكامِنَ، ولا ممَّن اتَّخذهُ صنعةً وكسباً، وسيأتي بقيَّةُ مباحثه في الأشربة.
          (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) أي: الصِّدِّيق ☺ (أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ) بالرفع على الابتداء، ومضافٌ إليه، والخبر: الجار والمجرور عقبه، ولأبوي ذرٍّ والوقت والأصيلي وابن عساكر: <أبمزامير> أي: أتشتَغِلون، أو تتلبَّسُون بهما، و((مزامير)) جمعُ مزمارٍ، أو مزمُور (فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم ؟) وجملة: (وَذَلِكَ) أي: ما ذُكِر من غناءِ الجاريتين (فِي يَوْمِ عِيدٍ) حالية.
          (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم) أي: لأبي بكرٍ (يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً، وَهَذَا) أي: اليومُ (عِيدُنَا) قال الخطابيُّ: يريدُ أنَّ إظهار السُّرورِ في العيدين من شعار الدِّين، وحكمُ اليسير من الغناءِ خلاف الكثير، إذ التَّرنُّم بالبيت، والتَّطريبُ للصَّوت إذا لم يكنْ فيه فحشٌ، فهو غير محظورٍ، ولا قادح في الشَّهادة، وكان عمر بن الخطاب لا ينكر من الغناء النصب والحداء ونحوهما، وقد رخَّص فيه غير واحدٍ من الصحابة والسَّلف.
          وقال الكرمانيُّ: قيل: فيه دليلٌ؛ لأنَّ العيد موضوعٌ للرَّاحات، وبسط النُّفوس إلى ما يحلُّ من الدُّنيا، والأكل والشُّرب والجماع، ألا ترى أنه أباح الغناء من أجل عذر العيد؟