الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: المسلم من سلم المسلمون من لسانه

          وبالسند إلى المؤلف قال:
          10- (حَدَّثَنَا آدَمُ): وزنه أفعل لا فاعل وإلا لصرف سالم خلافاً لمن زعمه إذ هو ليس بأعجمي على الصحيح؛ لاشتقاقه من أديم الأرض أو من الأدمة، وكنيته: أبو الحسن (ابْنُ أَبِي إِيَاسٍ): بكسر الهمزة وتخفيف التحتية والسين، واسم (أبي إياس): عبد الرحمن بن محمد، وقيل: ناهية _بالنون وبين الهاءين تحتية_ وليس في كتب الحديث آدم بن أبي إياس غير هذا، وأصله من خراسان ونشأ ببغداد وكتب عن شيوخها، ثم رحل إلى الكوفة والبصرة والحجاز ومصر والشام، وكان وراقاً واستوطن عسقلان، وتوفي بها سنة عشرين، وقيل: إحدى وعشرين ومائتين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل: عن نيف وتسعين سنة.
          قال أبو علي المقدسي: لما حضرت آدم ابن أبي إياس الوفاة ختم القرآن وهو مسجى، ثم قال: بحبك لي إلا ما رفقت بي في هذا المصرع كنت أؤملك لهذا اليوم كنت أرجو لها، ثم قال: لا إله إلا الله ثم قضى نحبه.
          وقال أبو حاتم: هو ثقة مأمون متعبد من خيار عباد الله تعالى سمع جماعات من الأعلام كشعبة والليث وابن المبارك.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): ولابن عساكر: <عن شُعبة>: بضم الشين _منقول من الشعبة بمعنى الغصن أو القطعة_، أبو بسطام بن الحجاج بن الورد الأزدي مولاهم الواسطي ثم انتقل إلى البصرة، وتوفي بها أول سنة ستين ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة.
          قال يحيى بن سعيد القطان: شعبة أكبر من الثوري بعشر سنين والثوري أكبر من ابن عينية بعشر سنين وأجمعوا على إمامته وجلالة قدره وورعه.
          قال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وقال ابن حنبل: كان أمة وحده في هذا الشأن.
          وقال سفيان الثوري: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وقال البكراوي: ما رأيت أعبد لله من شعبة عبد الله حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم.
          وقال ابن الملقن: ليس في الكتب الستة شعبة بن الحجاج غيره.
          وفي النسائي: شعبة بن دينار الكوفي صدوق، وفي أبي داود: شعبة بن دينار عن مولاه ابن عباس ليس بالقوي، وفي الضعفاء: شعبة بن عمرو: يروي عن أنس.
          قال البخاري أحاديثه مناكير وفي الصحابة: شعبة بن التوءم وهو من الأفراد والظاهر أنه تابعي. انتهى، وكان ألثغ.
          قال النووي: رأى الحسن وابن سيرين وسمع أنس بن سيرين وخلائق من التابعين وروى عنه جماعة من التابعين كالسختياني والأعمش.
          (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ): بفتح المهملة والفاء وقد تسكن الفاء، / واسم أبي السفر: سعيُد بن يُحمد _بضم الياء وفتح الميم وحكي كسرها_ ويقال: أحمد الهمداني الكوفي مات في خلافة مروان بن محمد آخر الأمويين، استخلف سنة سبع وعشرين، وانقرض إلى خمس سنين.
          قال ابن الملقن: روى له الجماعة إلا الترمذي وروى عنه الثوري وشعبة وشريك.
          فائدة: السفْر كله بإسكان الفاء في الاسم وبتحريكها في الكنية إلا ما حكى آنفاً (وَإِسْمَاعِيلَ): عطف على (عبد الله)؛ أي: وعن إسماعيل، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر في نسخة: <ابن أبي خالد> وكنيته أبو عبد الرحمن البجلي الأحمس مولاهم الكوفي المتوفي بالكوفة سنة خمس وأربعين ومائة، سمع جماعة من الصحابة منهم: أنس وجماعة من التابعين وروى عنه الثوري وغيره من الأعلام وكان عالماً متقناً صالحاً ثقةً وكان يسمى الميزان فعبد الله وإسماعيل كلاهما، روى (عَنِ الشَّعْبِيِّ): بفتح الشين المعجمة وإسكان المهملة، نسبة إلى شَعْب _بفتح فسكون_ بطن من هَمْدان _بفتح فسكون وبالدال المهملة_ ولد لست مضت من خلافة عثمان لا عمر وهو أبو عمر وعامر ابن شراحيل الكوفي التابعي الثقة، روى عن خلائق من الصحابة كعلي وولديه وابن عباس وابن عمر وسعد وسعيد، وقال: أدركت خمسمائة من الصحابة، وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء قط ولا حدثني رجل بحديث فأحببت أن يعيده علي؛ لأني أحفظه من مرة.
          وقال ابن عينية: كان أكبر الناس بعد كبار أصحاب رسول الله صلعم ابن عباس في زمانه والثوري في زمانه والشعبي في زمانه، وقال الحسن البصري: كان الشعبي كثير العلم، عظيم الحلم، قديم السلم من الإسلام بمكان، وكان مزاحاً حكي أنه قال لخياط: عندنا حب مكسور تخيطه، فقال له الخياط: إن كان عندك خيوط من الريح، ودخل عليه رجل ومعه في البيت امرأته فقال: أيكما الشعبي؟، فقال الشعبي: هذه، وأمه كانت من سبى جلولاء قرية من ناحية فارس، وكان كاتب عبد الله بن مطيع العدوي أمير قريش يوم الحرة وكان نحيفاً، فقيل له في ذلك فقال: لأني زوحمت في الرحم، وذلك؛ لأنه كان أحد توأمين.
          قال ابن خلكان: وتوفي بالكوفة فجأة بعد المائة سنة ثلاث أو أربع أو خمس أو ست أو سبع.
          قال في ((التوضيح)) هذا الإسناد كله على شرط الستة إلا آدم فليس على شرط مسلم وابن داود.
          (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ☻): بفتح العين ويكتب بواو في غير النصب فرقا بينه وبين عمر، وأما فيه فبالألف ولم يعكس لخفة عَمْرو _بفتح أوله وسكون ثانيه_ وصرفه، ابن العاصي _بالياء على الأفصح_ ابن وائل بن هاشم بن سُعيد _مصغراً_ ابن سهم بن عمرو بن هُصيْص _بهاء بعدها صادان مهملتان بينهما ياء ساكنة مصغراً أيضاً_ ابن كعب بن لؤي القرشي السهمي المتوفى بمكة أو الطائف أو مصر أو الشام سنة ثلاث أو خمس أو سبع وستين أو اثنتين أو ثلاث وسبعين عن اثنتين وسبعين أو تسعين سنة، وكنيته أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو نُضير _مصغراً_، أسلم قبل أبيه وكان بينه وبينه في السن اثنا عشر سنة وقيل: إحدى عشرة قالوا: ولا نعرف أحد بينه وبين والده هذا القدر غيره وكان غزير العلم مجتهداً في العبادات وهو أجل العبادلة وكان يصوم النهار ويقوم الليل ويرغب عن النساء ثم صار يصوم يوماً ويفطر يوماً لأمره صلعم له بذلك.
          وروى أنه صلعم / قال: فيه وفي أبيه وفي أمه ربطة بنت منبه بن الحجاج: (نعم البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله) وكان يفضله على أبيه وروي له عنه صلعم سبعمائة حديث اتفقا منها على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بعشرين وكان أكثر حديثاً من أبي هريرة بشهادة أبي هريرة له بذلك فإنه قال: ما كان أحد أكثر مني عن رسول الله صلعم إلا عبد الله بن عمرو؛ لأنه كان يكتب ولا أكتب، واستأذن النبي صلعم في الكتابة عنه حال الغضب والرضا فأذن له وقال: إنه يحفظ عن النبي صلعم: ألف مثل وأنه قد قرأ الكتب، لكن لم تكثر الرواية عنه مثل أبي هريرة؛ لأنه استوطن مصر مع أبيه ولم تكن مقصداً لوراد العلم كالمدينة التي كان بها أبو هريرة.
          قال الكرماني: وكان أحمر عظيم البطن وعمي في آخر عمره ومن لطائف هذا الإسناد أن شعبة يروي فيه عن اثنين: (ابن أبي السفرِ وإسماعيل) ومنها أن فيه التحديث والعنعنة.
          (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: الْمُسْلِمُ): أي: الكامل لما قيل: إن الألف واللام للكمال نحو: زيد الرجل والناس العرب والمال الإبل. انتهى.
          وأقول: الكمال لازم؛ لكونها للجنس أو العهد، وإلا فالكمال ليس من معاني اللام فافهم. (مَنْ): موصولة أو موصوفة خبراً لمسلم ولا داعي إلى جعلها خبراً لمحذوف والجملة خبراً لمسلم، كما قال العيني.
          نعم له داع على ما جوزناه من جعل (من) موصوفة لتفيد الجملة الحصر بتعريف الطرفين ويجري نظير هذا الإعراب في (والمهاجر من هاجر) إلخ.
          (سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ): الشامل للمسلمات وكذا أهل الذمة.(مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) ورواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم بلفظ: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم). وفي الحديث: الحث على ترك أذى المسلمين بكل ما يؤذي وسر الأمر في ذلك حسن التخلق مع العالم.
          كما قال الحسن في تفسير الأبرار: هم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون الشر يعني: من لم يؤذ من ذكر بقول ولا فعل غير مأذون فيها شرعاً، فلا يرد الحدود والتعازير والتأديب الزاجرة؛ لأن هذه مستثناة من هذا العموم بالإجماع، أو أنه ليس إيذاء في التحقيق، بل هو استطلاح، وطلب السلامة لهم في المآل فليس المراد خصوص هذين العضوين وإنما خصا بالذكر مع أن الإيذاء لا يختص بهما إما؛ لأنه يقع غالباً بهما إذ القول لا يكون إلا باللسان، ولأنه المعبر عما في النفس وسلطنة الأفعال إنما تظهر في اليد إذ بهما البطش والقطع والأخذ والمنع والإعطاء وغير ذلك، وإما؛ لأنه أطلق على الكل عمل اليد إذ يقال في كل عمل: هذا مما عملته اليد.
          قال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل: هذا مما عملته أيديهم، وإن كان عملاً لا يتأتى فيه المباشرة بها وإنما قدم اللسان؛ لأن إيذاءه أكثر وقوعاً أو أسهل عملاً أو أشد نكاية كما قال عليه الصلاة والسلام لحسان: (اهجُ المشركين فإنه أشق عليهم من رشق النبل).
          وقال الشاعر:
جراحات السنان لها التئام                     ولا يلتام ما جرح اللسان
          وقيل: لأن عمله أعم إذ يكون في الماضين والموجودين والمستقبلين بخلاف اليد نعم قد تشارك اللسان في ذلك بالكتابة بل أثرها في ذلك أعظم.
          وقال في ((الفتح)): في التعبير باللسان دون القول نكتة، فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة أيضاً فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق / الغير بغير حق. انتهى.
          تنبيهات:
          الأول: جميع الروايات الواقعة في هذا ((الصحيح)) وفي غيره مما وقفت عليه بتقديم اللسان على اليد، ولم أر في شيء منها تقديم (يده) على (لسانه) كما يجري على ألسنة بعض الناس فلينظر، ثم رأيت الحافظ ذكر في ((فتح الباري)) في كتاب الأدب في باب البر والصلة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ☻ بلفظ: (المسلم في سلم المسلمون من يده ولسانه). انتهى، فاعرفه.
          التنبيه الثاني: لا يرد على منطوقه المقيد بالكمال؛ لأنه إذا سلم المسلمون من لسانه ويده يلزم أن يكون مسلماً كاملاً، وإن لم يأت بغير ذلك من المأمورات مع أنه باطل؛ لأنا نقول: هذا وارد على سبيل المبالغة تعظيماً كترك الإيذاء كان تَرك الإيذاء هو نفس الإسلام الكامل ومحصور فيه ادعى ومثله كثير، وما أحسن ما قيل:
كن كيف شئت فإن الله ذو كرم                     وما عليك إذا أذنبت من باس
إلا اثنتان فلا تقربهما أبداً                     الشرك بالله والإضرار بالناس
          أو لأنا نقول: المراد بذلك مع مراعاة باقي الأركان.
          قال الخطابي: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين.
          التنبيه الثالث: يندفع بقولنا أولاً: أي: الكامل ما يرد على مفهومه إذ لم يقيد بالكامل من أنه لا يكون مسلماً إذا لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، وإن أتى بأركان الإسلام إذ نفي اسم الشيء على معنى الكمال مستفيض في كلامهم كإثبات ذلك.
          قال ابن جني: من عادة العرب أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس فلهذا سموا الكعبة: البيت. ويندفع أيضاً بأن السلامة المذكورة علامة للمسلم وخاصة له، ولا يلزم من انتفائهما انتفاء من هي له كما ذكر مثله في علامة المنافق.
          واستبعد ابن كمال باشا الجواب بأنه خاصة للمسلم ثم قال: المعروف في أمثال هذا التركيب قصر المسند إليه على المسند لا العكس، فلا يلزم أن لا تتحقق تلك الخاصة بدون الإسلام الكامل، وبني على ذلك اندفاع ما قيل: إذا سلم المسلمون منه يلزم أن يكون مسلماً كاملاً، واندفاع جوابه بما مر، واستوجه إرادة الكامل وأيده بكلام ابن جني المذكور.
          قال في ((الفتح)): ذكر المسلمين خرج مخرج الغالب؛ لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه أشد تأكيداً؛ ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا، وإن كان فيهم من يجب الكف عنه، والإتيان بجمع التذكير للتغليب، فإن المسلمات يدخلن في ذلك. انتهى وتقدم الإشارة منا إليه.
          التنبيه الرابع: قال الحافظ بعد أن ذكر الاحتمالين السابقين: ويحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه؛ لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. انتهى.
          ونظر فيه العيني من وجهين: أحدهما: منع كونه من قبيل الإشارة؛ لأنها ما ثبت بنظم الكلام وتركيبه مثل العبارة غير أن الثابت الإشارة غير مقصود من الكلام، ولا نجد فيه هذا المعنى. ثانيهما: منع الأولوية أيضاً؛ لأنها موقوفة على تحقق الدعوى وهي غير صحيحة؛ لأنا نجد كثيراً من الناس يسلم الناس من لسانهم وأيديهم ومع هذا لا يحسنون المعاملة مع الله تعالى. انتهى.
          وأجاب عنه الحافظ في (انتقاض الاعتراض) بقوله: قلت: لا يمنع ذلك الحث المذكور / فطاح الاعتراض. انتهى.
          وأقول: يتأمل كلام الحافظ فإنه يفيد تسليم المعنيين وأنه مع ذلك لا يمنع الحث المذكور فيندفع الاعتراض وفيه ما فيه.
          وقد يقال: بناه على إرخاء العنان وإلا فيمن منعهما، مع التأمل فأما دلالة الإشارةكما في
          (جمع الجوامع) و((شرحه)): هي دلالة اللفظ على ما لم يقصد به ولم يتوقف صدقه في المنطوق، ولا صحته على إضمار كدلالة قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [البقرة:187] على صحة صوم من أصبح جنباً للزومه للمقصود به من جواز جماعهن في الليل الصادق بآخر جزء منه. انتهى.
          وهذا التعريف لها كتَعريف العيني صادق على الحديث، فإنه يدل بالمنطوق على أن المسلم من سلم المسلمون من أذيته، بل ينبغي أن يحسن معاملته معهم، ويدل بطريق الإشارة على أنه ينبغي له أن يحسن معاملته مع ربه، وهذا المعنى لم يقصد من اللفظ.
          (وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ): محمد بن خازم _بالخاء المعجمة والزاي_.
          قال الكرماني: ليس في البخاري خازم _بالإعجام_ إلا أبو هذا وهو مولى لتميم، توفي بالكوفة في صفر سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة، عمي في صغره وكان مرجئاً، لكنه لم يكن داعية.
          وهذا التعليق كما في ((الفتح)) وصله إسحاق بن راهويه في ((مسنده)) عن عبد الله بن عمرو لا التعليق الثاني الآتي كما في القسطلاني.
          وغرض البخاري من التعليق والذي بعده الاستشهاد والمتابعة، لا أصل الاستدلال لحصوله بالرواية الأولى المتصلة، وأراد بأولهما: التصريح بسماع (الشعبي) من (عبد الله بن عمرو) في الموصول المذكور بالعنعنة.
          قال في ((الفتح)): والنكتة فيه رواية وهيب بن خالد له عن داود عن الشعبي عن رجل عن عبد الله بن عمرو، فلعل الشعبي بلغه ذلك عن عبد الله ثم لقيه فسمعه منه، وبثانيهما: التنبيه على أن (عبد الله) المبهم فيه هو عبد الله بن عمرو الذي بين في الرواية المتصلة، وفي التعليق الأول على ما في بعض النسخ. فافهم.
          قال: (حَدَّثَنَا دَاوُدُ): <هو ابن أبي هند>، كما في رواية الكشميهني وابن عساكر، مولى امرأة من قشير وهو من أهل سرخس، مات بطريق مكة سنة أربعين، وقيل: تسع وثلاثين ومائة عن خمس وسبعين سنة، وقد روى له الستة، واستشهد به البخاري هنا خاصة.
          (عَنْ عَامِرٍ): أي: الشعبي السابق آنفاً، (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ): زاد الأصيلي: <يعني ابن عمرو>، لابن عساكر: <هو ابن عمرو>. (عَنِ النَّبِيِّ صلعم. وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى): هو ابن عبد الأعلى أيضاً السامي نسبة إلى سامة _بالمهملة_ ابن لؤي القرشي، المتوفى في شعبان سنة تسع وثمانين ومائة، قال ابن الملقن: وهو ثقة وإن كان قدرياً لكنه غير داعية.
          (عَنْ دَاوُدَ): أي: ابن أبي هند السابق (عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ): أي: السابقين (عَنِ النَّبِيِّ صلعم): قال الكرماني: روى البخاري عن عبد الأعلى معلقاً؛ لأن ولادة البخاري بعد وفاته بخمس سنين، كما أن روايته عن أبي معاوية أيضاً على سبيل التعليق؛ لأن البخاري لم يدركه ولا عاصره؛ لأنه ولد سنة أربع وتسعين ومائة سنة وفاته أو قبله بسنة، ولهذا لم يقل فيهما: حدثنا أو أخبرنا وجاز ذلك؛ لأنه للاستشهاد والمتابعة وراعى أيضاً دقيقة حيث قال: في طريق أبي معاوية: (سمعت عبد الله) وفي طريق عبد الأعلى: (عن عبد الله) إشعار بالفرق بينهما، ولا يخفى أن الأول أولى.