نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش

          520- (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السرماري) بكسر السين المهملة وفتحها وسكون الراء الأولى، نسبة إلى سرمار قرية من قرى بخارى، وهو الذي يُضرب بشجاعته المَثَل قَتَل ألفاً من الترك، ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وهو من صغار شيوخ البخاري. وقد شاركه في الرواية عن شيخه عبيد الله بن موسى.
          وفي رواية: <السُّوْرَماري> _بضم السين وسكون الواو وفتح الراء ثم ميم وراء بينهما ألف_، وفي رواية أخرى: سقطت النسبة.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) بن باذام الكوفي (قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ) بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عمر بن عبد الله، وهذا الحديث لا يروى إلا بإسناده.
          (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) الكوفي الأزدي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بن مسعود ☺ (قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (رَسُولُ اللَّهِ صلعم قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الكَعْبَةِ وَجَمْعٌ مِنْ قُرَيْشٍ) وفي رواية: <وجمع قريش> بالإضافة (فِي مَجَالِسِهِمْ) أي: جالسون فيها.
          (إِذْ قَالَ) جواب بينما «بإذ» (قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي)؟ من الرياء؛ أي: يتعبد في الملأ دون الخلوة (أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ) وهو من الإبل يقع على الذكر والأنثى لكن لفظه مؤنث، ومعناه: المنحور (آلِ فُلاَنٍ).
          قال الحافظ العسقلاني: لم أقف على تعيينهم، لكن يشبه أن يكونوا آل أبي معيط لمبادرة عقبة بن أبي معيط إلى إحضار ما طلبوه منه.
          (فَيَعْمِدُ) بكسر الميم ورفع الدال عطفاً على قوله يقوم، وفي بعض النسخ: بالنصب جواباً للاستفهام؛ أي: يقصد (إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاَهَا) بفتح السين المهملة والقصر، وعاء الجنين (فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ، حَتَّى إِذَا سَجَدَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ) أي: انتهض (أَشْقَاهُمْ) أي: أشقى القوم، وهو عقبة بن أبي معيط فجاء به.
          (فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلعم ) حال كونه (سَاجِداً، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) وفي رواية: <على بعض> (فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ) / قال الحافظ العسقلاني: يحتمل أن يكون هو ابن مسعود ☺ (إِلَى فَاطِمَةَ) ♦ (وَهْيَ) يومئذ (جُوَيْرِيَةٌ) أي: صغيرة السن، تصغير جارية.
          (فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلعم سَاجِداً حَتَّى أَلْقَتْهُ) أي: الذي وضعوه (عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ) فاطمة ♦ (عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الأصيلي: <النبي> ( صلعم الصَّلاَةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ؛ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ؛ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ) قالها ثلاثاً؛ أي: أهلك كفارهم، أو أهلك قريشاً الكفار على حذف المضاف، أو على حذف الصفة.
          (ثُمَّ سَمَّى) صلعم فقال: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ) وهو أبو جهل فرعون زمانه (وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَ) أخيه (شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) بن مسعود ☺: (فَوَاللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ) أي: إلا عمارة بن الوليد فإنه لم يقتل ببدر، بل ذكر أصحاب المغازي كابن إسحاق وغيره: أنه مات بأرض الحبشة، وله قصة مع النجاشي، إذ تعرض لامرأته فأمر النجاشي ساحراً فنفخ في إحليله من سحره عقوبة له فتوحش، وصار مع الحيوانات، والبهائم إلى أن مات في خلافة عمر ☺ في أرض الحبشة.
          (ثُمَّ سُحِبُوا) على البناء للمفعول؛ أي: جُروا ما عدا عُمارةَ (إِلَى الْقَلِيبِ) وهي البئر التي لم تطو (قَلِيبِ بَدْرٍ) بالجر بدل من القليب.
          (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الأَصيلي: <النبي> ( صلعم : وَأُتْبِعَ) بضم الهمزة على البناء للمفعول (أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً) برفع الأصحاب على أنه نائب عن الفاعل، ونصب «لعنة» على أنه مفعوله الثاني، وهذا إخبار من الرسول صلعم بأن الله أتبعهم اللعنة؛ أي: كما أنهم مقتولون في الدنيا فهم مطرودون عن رحمة الله في الآخرة، وفي رواية: <واتْبع> بلفظ الأمر عطفاً على قوله: <عليك بقريش> فيكون حينئذ «أصحاب» منصوباً؛ أي: اللهم أهلكهم في الدنيا، واجعلهم مطرودين في الآخرة.
          ويستفاد منه الدعاء على الكافرين إذا آذوا المؤمنين، وكان هؤلاء ممن لا يرجى دخولهم في الإسلام، ولذلك دعا عليهم رسول الله صلعم ، وأجاب الله دعوته فيهم، ونزل فيهم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر:95]، وأما الذين رجا منهم / رجوعهم عن الكفر فإنما دعا لهم بالهدى والتوبة، والدخول في الإسلام، وسائر مباحث الحديث مع تصحيح أسماء المقتولين والقاتلين، فقد تقدم في باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر في كتاب الطهارة قبل الغسل بقليل.
          فإن قيل: إن الراوي لم يحفظ اسم السابع ثمة [خ¦240] ؛ يعني: عمارة فكيف ذكره هنا؟.
          فالجواب: أنه تذكر عند روايته الحديث في معرض هذه الترجمة ثم نسى، أو نسي ثم تذكر، والله أعلم.