نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: تضيفت أبا هريرة سبعًا فكان هو وامرأته وخادمه

          5441- (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مسرهد، قال (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ) بتشديد الموحدة وبالمهملة، هو: ابنُ فروخ (الْجُرَيْرِيِّ) بضم الجيم وفتح الراء الأولى نسبة إلى جرير بن عُبَاد أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل، وعُبَاد: بضم العين وتخفيف الموحدة.
          (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) هو: عبد الرَّحمن بن مل النَّهدي، أنَّه قال: (تَضَيَّفْتُ) بضاد معجمة وفاء (أَبَا هُرَيْرَةَ) أي: نزلت به ضيفاً، وضيَّفته وأضفته: إذا أنزلته بك ضيفاً (سَبْعاً) أي: سبع ليال، وقال الكِرمانيُّ: أي: أسبوعاً (فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ) اسمها: بُسْرة، بضم الموحدة وسكون السين المهملة، بنت غَزْوان، بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي، الصَّحابية، وقال الذَّهبي: بسرة بنت غزوان التي كان أبو هريرة أجيرها ثمَّ تزوَّجها، قال العينيُّ: ولم أر أحداً ذكرها.
          (وَخَادِمُهُ) قال الحافظُ العسقلاني: لم أقف على اسمه (يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ) أي: يتناوبون قيامَ اللَّيل (أَثْلاَثاً: يُصَلِّي هَذَا) ثلاثاً (ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا) إذا فرغ من ثلثه؛ أي: كلُّ واحد منهم يقوم بثلث اللَّيل، ومن كان يفرغ من ثلثه يوقظ الآخر ليقوم ويصلِّي، قال أبو عُثمان النَّهدي: (وَسَمِعْتُهُ) أي: أبا هُريرة ☺ (يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم بَيْنِ أَصْحَابِهِ تَمْراً، فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ) منه (إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ) من أردأ التَّمر أو ضعيفه لا نوى لها أو يابسة فاسدة.
          والظَّاهر أنَّ المؤلِّف أراد أن يضع ترجمة للتَّمر ثمَّ أهمله إمَّا نسياناً وإمَّا لم يدركه، ويمكن أن يكون سقط من النَّاسخ / بعد العمل.
          5441م# (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ) بالصاد المهملة والموحدة المشددة آخره حاء مهملة البغدادي، قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ) بن مرَّة الخُلْقاني، بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف، الكوفيُّ، لقبه: شَقُوصاً، بفتح الشين المعجمة بعدها قاف مضمومة بعدها واو بعدها صاد مهملة (عَنْ عَاصِمٍ) الأحول (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) عبد الرَّحمن النَّهدي (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺) أنَّه قال: (قَسَمَ النَّبِيُّ صلعم بَيْنَنَا تَمْراً، فَأَصَابَنِي مِنْهُ خَمْسٌ: أَرْبَعُ تَمَرَاتٍ وَحَشَفَةٌ) وقوله: ((أربع تمراتٍ وحشفة)) عطف بيان لخمس ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنَّه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي أربعُ تمرات وحشفة.
          وقال الكِرمانيُّ: ويروى: <أربع تمرة> بالإفراد، والقياس تمرات، ثمَّ قال: إن كانت الرِّواية برفع تمرة فمعناه كلُّ واحدة من الأربع تمرة، وأمَّا بالجر فهو شاذٌّ على خلاف القياس نحو ثلاثمائة وأربعمائة.
          (ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَشَفَةَ هِيَ أَشَدُّهُنَّ لِضِرْسِي) في المضغ، فإن قيل: في الرِّواية الأولى من هذا الباب سبع تمرات وهنا خمس؟ فالجواب: قال ابن التِّين: إمَّا أن تكون إحدى الرِّوايتين وهماً أو يكون ذلك وقع مرَّتين، واستبعده الحافظُ العسقلاني باتِّحاد المخرج. وأجاب الكرمانيُّ: بأنَّه لا منافاة إذ التَّخصيص بالعدد لا ينفي الزَّائد، وتعقَّبه الحافظُ العسقلاني: بأنَّه لو كان كذلك لما كان لِذِكْرِه فائدة.
          والأولى أن يقال: إنَّ القسمة أولاً اتَّفقت خمساً خمساً، ثمَّ فضلت فضلة فقسمت ثنتين ثنتين فَذَكَرَ أحد الراويِيَن مبتدأ الأمر والآخر منتهاه.
          وقال العينيُّ: دعوى هذا القائل أنَّ القسمةَ وقعت مرَّتين مرَّة خمساً خمساً، ومرَّة ثنتين ثنتين تحتاجُ إلى دليل، وهذا إن صحَّ يقوي كلام ابن التِّين، أو يكون ذلك مرَّتين فيكون استبعادُه الثَّاني أبعدَ ما يكون.
          ونقول أيضاً: من هو المراد من أحد الرِّاويين؟ فإن كان هو أبا هريرة ☺ فهو عينُ الغلط على ما لا يخفى، وإن كان أبا عثمان الرَّاوي عنه أو غيره ممَّن دونه فهو عين التَّعدد، والدَّليل عليه أنَّ في رواية التِّرمذي من طريق شعبة، عن عبَّاس / الجريري بلفظ: ((أصابهم جوعٌ فأعطاهم النَّبي صلعم تمرةً تمرةً))، وكذا عند ابن ماجه والإمام أحمد من هذا الوجه. وفي رواية النَّسائي من هذا الوجه: ((قسم سبع تمراتٍ بين سبعة أنا فيهم)). وفي رواية ابن ماجه وأحمد أيضاً بلفظ: ((أصابهم جوعٌ وهم سبعة فأعطاهم النَّبي صلعم سبعَ تمراتٍ لكل إنسانٍ تمرة)).
          وهذه الرِّوايات متفقَّة في المعنى وإن لم تكن القسمة إلَّا تمرة تمرة، وهذه تخالف رواية البُخاري ظاهراً، ولكن لا تخالفه في الحقيقة ولا يُنْكِرُ هذا إلَّا معاند. ورَدُّ هذا القائلِ كلامَ الكِرماني أيضاً ساقطٌ؛ لأنَّ ما قاله أصلٌ عند أهلِ الأصول. انتهى.
          وهذا الحديثُ طريق آخر في الحديث المذكور.