نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث ميمونة: أنها كانت تكون حائضًا لا تصلي وهي مفترشة

          333- (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ) بلفظ اسم الفاعل من الإدراك أبو علي السَّدوسي الحافظ البصري الطحان، أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري، بل البخاري أقدم منه، وقد شاركه في شيخه يحيى المذكور في قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ) بتشديد الميم، الشيباني، خَتَن أبي عوانة، المتوفى سنة خمس عشرة ومائتين.
          (قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ) بفتح المهملة (1) وتخفيف الواو و(اسْمُهُ الْوَضَّاحُ) كما في رواية (مِنْ كِتَابِهِ) أشار به إلى أن أبا عوانة حدث بهذا الحديث من كتابه تقوية لما رُوِيَ عنه. قال أحمد: إذا حدث أبو عوانة من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم، وقال أبو زرعة: أبو عوانة ثقة إذا حدث من كتابه، وقال ابن مهدي: كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم.
          (قَالَ: أَخْبَرَنَا) وفي رواية: <حدثنا> (سُلَيْمَانُ) بن أبي سليمان، فيروز أبو إسحاق (الشَّيْبَانِيُّ) التابعي، كان أحمد يعجبه حديثه ويقول: هو أهل أن لا نَدَعَ له شيئاً (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ) بتشديد الدال المهملة هو ابن الهاد، وأمه سلمى [بنت] عُمَيْس، أخت ميمونة لأمها.
          ورجال هذا الإسناد ما بين بصري وكوفي ومدني، وقد أخرج متنه المؤلِّف في الصلاة أيضاً [خ¦518]، وكذا مسلم، وأبو داود، وابن ماجه.
          (قَالَ) أي: إنَّه قال (سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم : أَنَّهَا) أي: ميمونة (كَانَتْ تَكُونُ) فيه ثلاثة أوجه:
          أحدها: أن يكون أحد لفظي الكون زائداً كما في قول الشاعر:
وجيران لنا كانوا كرامٍ
          بجر كرام على أنه صفة لجيران، ولفظ كانوا زائد.
          الثاني: أن يكون في كانت ضمير القصة، وهو اسمها، وخبرها قوله: تكون.
          الثالث: أن يكون لفظ تكون بمعنى تصير.
          وفي رواية ابن عساكر: سقط لفظ: <كانت> ووقع هكذا: ((أنها تكون)).
          (حَائِضاً لاَ تُصَلِّي) جملة مؤكِّدة لقوله حائضاً (وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ) من افتراش الشيء: انبساطه، ويقال: افترش ذراعيه: بسطهما على الأرض، والأول هو المراد هنا.
          (بِحِذَاءِ) بكسر المهملة وبالمد ؛ أي: إزاء (مَسْجِدِ) بكسر الجيم ؛ / أي: موضع سجود (رَسُولِ اللَّهِ صلعم ) من بيته لا مسجده المعهود هكذا قرره، والمنقول عن سيبويه: أنه إذا أريد موضع السجود قيل: مسجَد بالفتح فقط.
          (وَهو) أي: النبي صلعم (يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم، وهي سجادة صغيرة تعمل من سُعُفِ النخل تُنْسَجُ بالخيوط، سميت بذلك ؛ لسترها الوجه والكفين من حرِّ الأرض وبردها، وإذا كانت كبيرة سميت حصيراً، كذا قال الأزهري في ((تهذيبه)) وغيره، وزاد في ((النهاية)): ولا تكون خُمْرةً إلا في هذا المقدار، قال: سمِّيتْ خُمرْة ؛ لأن خيوطها مستورة بسُعُفِها.
          (إِذَا سَجَدَ) صلعم (أَصَابَنِي) هذه حكاية لفظها، والأصل أن يقول: أصابها (بَعْضُ ثَوْبِهِ) وفي الحديث دليل على أن الحائض ليست بنجسة ؛ لأنها لو كانت نجسة ؛ لما وقع ثوبه ◙ على ميمونة وهو يصلي، وكذلك النفساء.
          وفيه أيضاً: أن الحائض إذا قربت من المصلي لا يضر ذلك صلاته، وفيه أيضاً: ترك الحائض الصلاة، وفيه أيضاً: جواز الافتراش بحذاء المصلى، وفيه أيضاً: جواز الصلاة على الشيء المتخذ من سُعُفِ النخل سواء كان صغيراً أو كبيراً، بل هذا أقرب إلى التواضع والسكينة، بخلاف صلاة المتكبرين على سجاجيدَ مُثْمِنَةٍ، مختلفة الألوان والقماش، ومنهم من ينسج له سجادة من حرير، فالصلاة عليها مكروهة، وإن كان دوس الحرير جائزاً ؛ لأن فيه كبراً وطغياناً، والله أعلم.
          خاتمة: قال الحافظ العسقلاني: اشتمل كتاب الحيض من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثاً، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وعشرون حديثاً، الموصول منها عشرة أحاديث، والبقية تعليق ومتابعة، والخالص خمسة وعشرون حديثاً، منها: واحد معلق وهو حديث: «كان يذكر الله على كل أحيانه»، والبقية موصولة.
          وقد وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة: «كانت إحدانا تحيض»، وحديثها في اعتكاف المستحاضة، وحديثها: «ما كان لإحدانا إلا ثوب»، وحديث أم عطية: «كنا لا نعد الصفرة»، وحديث ابن عباس ☻ : «رخص للحائض أن تنفر»، وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين: خمسة عشر أثراً كلها معلقة.


[1] في (خ): ((بفتح الواو)).