نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إن فلانًا يزعم أنك قلت: بعد الركوع

          3170- (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) محمد بن الفضل السَّدوسيُّ، قال: (حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ) على لفظ المضارع من الزيادة، ووهم من قال فيه: زيد بغير الياء، قال: (حَدَّثَنَا عَاصِمٌ) هو: ابنُ سليمان الأحول، وهؤلاء كلُّهم بصريُّون.
          (قَالَ: سَأَلْتُ أَنَساً ☺ عَنِ الْقُنُوتِ، قَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، فَقُلْتُ: إِنَّ فُلاَناً يَزْعُمُ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبَ) قال الكِرمانيُّ: فإن قلت: فلم يقرأ الشافعيُّ القنوت بعد الركوع؟ قلت: لما روي عن أنسٍ ☺ في كتاب الوتر أنَّه قال [خ¦1003]: ((قنت النَّبي صلعم في الصُّبح بعد الركوع ونحوه)). انتهى. فليُتَأمل.
          (ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ النَّبِيِّ صلعم أَنَّهُ قَنَتَ شَهْراً بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) بضم المهملة وفتح اللام على صيغة التصغير (قَالَ: بَعَثَ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ يَشُكُّ فِيهِ) أي: في أنَّ المبعوث أربعون أو سبعون.
          (مِنَ الْقُرَّاءِ) يتعلق بقوله: بعث (إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَعَرَضَ لَهُمْ هَؤُلاَءِ فَقَتَلُوهُمْ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلعم عَهْدٌ، فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ) أي: حزِنَ (عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ) يقال: وجد مطلوبه يجده من باب ضرب وجوداً، ويجده بالضم لغة عامرية لا نظير لها في باب المثال.
          ووجد ضالته وجداناً، ووجد عليه في الغضب مَوْجدة ووجداناً أيضاً، حكاها بعضهم. ووجد في الحزن وَجْداً، بالفتح، ووجد في المال وجداً أو جدة؛ أي: استغنى.
          وكان صلعم لا يدعو بالشرِّ على أحدٍ من الكفَّار ما دام يرجو لهم الرُّجوع والإقلاع عمَّا هم عليه. ألا ترى أنَّه صلعم سُئل أن يدعو على دوس فدعا لها بالهدى، وإنَّما دعا على بني سليم حين نكثوا العهد وغدروا، / ويئس من رجوعهم عن ضَلالتهم، فأجاب الله بذلك دعوته، وأظهرَ صدقه وبرهانه.
          وهذه القصَّة أصلٌ في جواز الدُّعاء في الصَّلاة والخطبة على عدوِّ المسلمين، ومَن خالفَهم، ومن نكث عَهْداً وشِبْهَه.
          والحديثُ قد مرَّ في كتاب الوتر، في باب القنوت قبل الركوع وبعده [خ¦1003].
          ومطابقتهُ للترجمة ظاهرة.