نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: هل مع أحد منكم طعام؟

          2618- (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) محمد بن الفضل السَّدوسي البصري، قال: (حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) بن طرخان التَّيمي البصري يروي (عَنْ أَبِيهِ) سليمان (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) هو: عبد الرَّحمن بن ملّ النَّهدي _بفتح النون_ الكوفيُّ، سكن البصرة أدرك الجاهلية، وأسلم على عهد النَّبي صلعم ، ولم يره، مات سنة إحدى وثمانين بالبصرة، وهو ابن أربعين ومائة سنة.
          (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلعم ثَلاَثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ) كلمة ((إذا)) للمفاجأة (صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ) بالرفع عطفٌ على صاع، والضَّمير للصَّاع (فَعُجِنَ) على البناء للمفعول (ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ) قال الحافظ العسقلانيُّ: لم أقف على اسمه، ولا على اسم صاحب الصَّاع المذكور (مُشْعَانٌّ) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبالعين المهملة وفي آخره نون مشددة، قال الكرمانيُّ: ويروى: بكسر الميم، وقال: هو ثائر الرَّأس أشعث، وقال القزَّاز: هو الحافي الثَّائر الرَّأس.
          وقد فسَّره المؤلِّف في آخر الحديث في رواية المستملي: بأنَّه الطَّويل جدًّا فوق الطُّول، وزاد غيره: مع إفراط الطُّول أشعث الرَّأس.
          (طَوِيلٌ) ويحتمل أن يكون قوله: طويل تفسيرًا لـ«مشعان» (بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً) انتصب على المصدرية تقديره: تبيع بيعًا، أو تعطي عطية (أَوْ) شكٌّ من الرَّاوي (قَالَ: أَمْ هِبَةً) أي: قال: أم هبة بدل: أم عطية (فَقَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ) أي: أمري بيع / (فَاشْتَرَى مِنْهُ) أي: من الرَّجل، وفي رواية الكُشميهني: <فاشترى منها> أي: من الغنم (شَاةً فَصُنِعَتْ) أي: فذبحت (وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلعم بِسَوَادِ الْبَطْنِ) هو: الكبد، قاله النَّووي. وقال الكرمانيُّ: اللفظ أعمُّ منه؛ يعني: يتناول كلَّ ما في البطن من كبدٍ وغيره، والذي قاله النَّووي أقوى في المعجزة (أَنْ يُشْوَى، وَايْمُ اللَّهِ) هو قسمٌ؛ نحو لَعَمْرُ الله وعهد الله. وفيه لغاتٌ كثيرة، وتفتح همزتها وتكسر، وهي همزة وصل وقد تقطع، وأهل الكوفة من النُّحاة يزعمون أنَّه جمع: يمين، وغيرهم يقولون: هي اسم موضوع للقسم.
          (مَا فِي الثَّلاَثِينَ وَالْمِائَةِ) أي: أحدٌ (إِلاَّ قَدْ حَزَّ النَّبِيُّ صلعم ) بالحاء المهملة والزاي؛ أي: قطع (لَهُ حُزَّةً) بضم الحاء المهملة، هي: القطعة من اللحم وغيره، قال الكرمانيُّ: ويروى: بفتح الجيم (مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا) أي: حاضرًا (أَعْطَاهَا) أي: أعطى الحُزة (إِيَّاهُ) قال الحافظ العسقلانيُّ: هو من القلب وأصله أعطاه إيَّاها، وتعقَّبه العينيُّ بأنَّه لا حاجة إلى دعوى القلب فيه، بل العبارتان سواء في الاستعمال.
          (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَ لَهُ، فَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلُوا أَجْمَعُونَ) بالرفع: تأكيد للضَّمير الذي في (أكلوا). ثمَّ إنَّه يحتمل أن يكون اجتمعوا على القصعتين فأكلوا مجتمعين فتكون فيه معجزةٌ أخرى؛ لكونهما وسعتا أيدي القوم، ويحتملُ أن يريد أنَّهم أكلوا من القصعتين على أيِّ وجهٍ كان، أعم من الاجتماع والافتراق.
          (وَشَبِعْنَا، فَفَضَلَتِ الْقَصْعَتَانِ، فَحَمَلْنَاهُ) أي: الطَّعام، ولو أريد القصعتان لقيل: حملناهما، وفي «الأطعمة» [خ¦5382]: ((وفضل في القصعتين)) وكذا في رواية مسلم، فالضَّمير حينئذٍ يرجع إلى القدر الذي فضل.
          (عَلَى الْبَعِيرِ، أَوْ كَمَا قَالَ) شكٌّ من الرَّاوي، قال الكرماني: قالوا فيه معجزتان: إحداهما: تكثير سواد البطن حتَّى وسع هذا العدد، والأخرى: تكثير الصَّاع ولحم الشَّاة حتَّى أشبعهم أجمعين، ففضلت فضلة حملوها؛ لعدم الحاجة إليها.
          وقال العينيُّ: فيه أربع معجزات:
          الأولى: تكثير الصَّاع.
          والثَّانية: تكثير سواد البطن.
          والثَّالثة: اتساع القصعتين لتمكن أيادي هؤلاء العدد.
          والرَّابعة: الفضلة التي فضلت بعد / شبعهم وكفايتهم.
          وفيه المواساة بالطَّعام عند المسغبة وتساوي النَّاس في ذلك.
          وفيه: ظهور البركة عند الاجتماع على الطَّعام، وفيه تأكيدُ الخبر بالقسمِ، وإن كان المخبر صادقًا.
          وفيه: قبول هدية المشرك؛ لأنَّه سأله هل تبيع أو تهدي. قال الحافظ العسقلانيُّ: وفيه فساد قول من حمل ردَّ الهدية على الوثني دون الكتابي؛ لأنَّ هذا الأعرابي كان وثنيًا.
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّه ليس فيه شيءٍ يدلُّ على أنَّه كان وثنيًّا فإن قال: علم ذلك من الخارج، فعليه البيان.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: ولم أر هذه القصَّة إلَّا من حديث عبد الرَّحمن، وقد ورد تكثير الطَّعام في الجملة من أحاديث جماعة من الصَّحابة ♥ ، والله أعلم.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: بيعًا أم عطية؛ لأنَّ العطيَّة تُطلق على الهديَّة والهبة.
          والحديث قد مضى في كتاب «البيوع»، في باب الشراء والبيع مع المشركين [خ¦2216]، ووقع في رواية المستملي هنا: <مشعان طويل جدًّا فوق الطُّول>.