نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه

          2008- (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) هو: يحيى بنُ عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري، نسب إلى جدِّه لشهرته به ثقة في اللَّيث، وتكلَّموا في سماعه من مالك، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو: ابنُ سعد الإمام (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين وفتح القاف، هو: ابنُ خالد (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهري، وفي رواية ابن القاسم عند النَّسائي عن مالك: حدَّثني ابن شهاب.
          (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوف الزُّهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، كذا رواه عقيل، وتابعه يونس وشُعيب وابن أبي ذئب ومَعمر وغيرهم، وخالف مالك فقال: عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرَّحمن بدل: أبي سلمة، وقد صحَّ الطَّريقان عند البخاري فأخرجهما على الولاء، وقد أخرجه النَّسائي من طريق جويرية بن أسماء، عن مالك، عن الزُّهري عنهما جميعاً، وقد ذكر الدَّارقطني الاختلاف فيه، وصحَّح الطَّريقين.
          وحكي أنَّ أبا همام رواه عن ابن عُيينة، عن الزُّهري، فخالف الجماعة فقال: عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة ☺، وخالفه أصحاب سفيان فقالوا: عن أبي سلمة، وقد رواه النَّسائي من طريق سعيد بن أبي هلال، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب مرسلاً.
          (أنَّ أبا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلعم يَقُولُ لِرَمَضَانَ) أي: لفضل رمضان أو لأجله أو اللام بمعنى: في؛ أي: فضله كما في قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] أي: في يوم القيامة، ويجوز أن يكون بمعنى عند؛ أي: عند رمضان؛ أي: عند مجيئه كما في قولهم: كتبته لخمس خلون؛ أي: عند خمس خلون.
          وقال الحافظ العسقلاني: ويحتمل أن تكون اللَّام بمعنى عن؛ أي: يقول عن رمضان.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّه بعيد، وذلك لأنَّ كلمة القول إذا استعمل بكلمة عن وبما في معناها يكون بمعنى النَّقل والحكاية، وذلك هنا غير موجَّه، فافهم.
          (مَنْ قَامَهُ) بصلاة التَّراويح أو بمطلق العبادة (إِيمَاناً): أي: تصديقاً بأنَّه حقٌّ معتقدٌ أفضليَّته، قاله النَّووي، أو تصديقاً بوعد الله بالثَّواب عليه / (وَاحْتِسَاباً) أي: طلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء ونحوه. وقال الخطَّابي: أي: نيَّة وعزيمة، وانتصابهما على أنه مفعول له أو حال؛ أي: مؤمناً ومحتسباً.
          (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ظاهره يتناول الصَّغائر والكبائر، وبه قطع ابن المنذر. وقال النَّووي: المعروف أنَّه يختصُّ بالصَّغائر، وبه قطع إمام الحرمين. وقال القاضي عياض: وهو مذهب أهل السنَّة، وقيل: يجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة.
          وزاد النَّسائي في «السُّنن الكبرى» من رواية قتيبة عن سفيان: ((وما تأخَّر)) وكذا زادها جابر بن يحيى عند قاسم بن أصبغ والحسين بن الحسن المروزي في كتاب «الصِّيام» له، وهشام بن عمَّار في «الجزء الثَّاني عشر من فوائده»، ويوسف بن يعقوب النَّجاحي في «فوائده» كلهم عن ابن عيينة.
          ووردت هذه الزِّيادة أيضاً من طريق أبي سلمة من وجه آخر أخرجه أحمد من طريق حمَّاد بن سلمة، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ☺. وعن ثابت، عن الحسن كلاهما عن النَّبي صلعم .
          وقد وردت هذه الزِّيادة؛ أعني: لفظ: ((وما تأخَّر)) في عدَّة أحاديث، واستشكلت هذه الزِّيادة بأنَّ المغفرة تستدعي سبق شيء يغفر، والمتأخِّر من الذُّنوب لم يأت فكيف يغفر.
          وأُجيب: بأنَّ هذا كناية عن حفظه الله إيَّاهم من الكبائر، فلا يقع منهم كبيرة بعد ذلك، كما قيل في قوله صلعم في أهل بدر: ((إنَّ الله اطَّلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتُم فقد غفرت لكم)) [خ¦3007].
          وعورض الأخير بورود النَّقل بخلافه فقد شهد مسطح بدراً، ووقع منه ما وقع في حقِّ عائشة، كما في «الصَّحيح» [خ¦4141]، وقصَّة نعيمان أيضاً مشهورة، وقيل: إنَّ معناه: أنَّ ذنوبهم تقعُ مغفورة، وبهذا أجاب جماعة منهم: الماوردي في الكلام على حديث صيام عرفة، وأنَّه يكفِّر سنة ماضية وسنة آتية.