نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أن رسول الله نحر قبل أن يحلق

          1811- (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ) هو: ابنُ غيلان المروزيُّ العدوي، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) هو: ابنُ همَّام، قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو: ابنُ راشد (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم بن شهاب (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزُّبير بن العوَّام (عَنِ الْمِسْوَرِ) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وبالراء، ابن مَخْرمة بن نوفل القرشيُّ الزُّهري أبو عبد الله، له ولأبيه صحبة، مات وسنُّه أربع وستون سنة، وصلى عليه ابن الزُّبير بالحَجُون.
          (☺) وعن أبيه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم نَحَرَ) الهدي بالحديبية (قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ) الَّذين كانوا معه (بِذَلِكَ) وهذا الحديث طرفٌ من حديث طويل أخرجه البخاري في الشُّروط، على ما يأتي إن شاء الله تعالى [خ¦2731].
          ولفظه في أواخر الحديث: فلمَّا فرغ من قضيَّة الكتاب، قال رسول الله صلعم لأصحابه: ((قوموا فانحروا ثمَّ احلقوا)) فذكر بقيَّة الحديث. وفيه: أنَّ نحر المُحْصَر قبل الحلق، والحديث حجَّة على مالك في قوله: إنَّه لا هدي على المُحْصَر.
          قال ابن التَّيمي: ذهب مالك إلى أنَّه لا هديَ على المُحْصَر، والحجَّة عليه هذا الحديث؛ لأنَّه نُقِلَ فيه حكمٌ وسببٌ، فالسَّبب الحَصْر والحكم النَّحرْ، فاقتضى الظَّاهر تعلُّق الحكم بذلك السَّبب. ولم يتعرَّض المؤلِّف لِمَا يجب على مَن حَلَقَ قبل أن يَنْحَر.
          وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: عليه دم، قال إبراهيم: حدَّثني سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس مثله. ثمَّ إنَّ مذهب أبي حنيفة أنَّ دم الإحصار يتوقت بالحرم وهو المكان، لا بيوم النَّحر وهو الزَّمان؛ لإطلاق النَّص.
          وعند أبي يوسف ومحمَّد يتوقَّت بالزَّمان والمكان كما في الحلق، وهذا الخلاف في المُحْصَر في الحجِّ. وأمَّا دم المُحْصَر في العمرة فلا يتوقَّت بالزَّمان بلا خلاف بينهم، وبالهدي لا يتحلَّل المُحْصر عند أبي يوسف، ولا بدَّ من الحَلْق بعد النَّحر؛ لأنَّه إن عجز عن أداء المناسك لم يعجز عن الحلق.
          وقال أبو حنيفة ومحمَّد: يتحلَّل بالذَّبح لإطلاق النَّصِّ.