نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: ما رأيت رسول الله سبح سبحة الضحى

          1177- (حَدَّثَنَا آدَمُ) هو: ابنُ أبي إياس، واسمه: عبدُ الرحمن، وقيل: غير ذلك (قَالَ: حَدَّثَنَا) وفي رواية: <أخبرنا> (ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) هو: محمَّد بن عبد الرَّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب: هشام القرشي العامري أبو الحارث المدني.
          (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم / (عَنْ عُرْوَةَ) هو: ابن الزبير (عَنْ عَائِشَةَ ♦، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلعم سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى) قد تقدَّم في باب «تحريض النَّبي صلعم على قيام اللَّيل» [خ¦1128] أنَّ المراد بالسُّبحة _بضم السين_ هي النَّافلة، وأصلها من التَّسبيح، وخصَّت النَّافلة بذلك؛ لأنَّ التَّسبيح الذي في الفريضة نافلة، فقيل: لصلاة النَّافلة سبحةٌ؛ لأنَّها كالتَّسبيح في الفريضة.
          (وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا) بضم الهمزة وكسر الموحدة، وفي رواية مالك عن ابن شهاب: ((لأستحبُّها)) من الاستحباب، والفرق بين الرِّوايتين أنَّ الأوَّل: يقتضي الفعل، والثَّاني: لا يقتضيه.
          واعلم أنَّه قد روي في ذلك عن عائشة ♦ أشياءٌ مختلفةٌ، فهذا الحديث يدلُّ على نفي السُّبحة من رسول الله صلعم مطلقاً.
          وما رواه مسلمٌ من طريق عبد الله بن شقيق قال: قلتُ لعائشة ♦ هل كان النَّبي صلعم يصلِّي الضُّحى قالت: لا إلَّا أن يجيءَ من مغيبه، يدلُّ على تقييد النَّفي بغير المجيء من مغيبه.
          وما رواه مسلم أيضاً من رواية معاذة أنَّها سألتْ عائشة ♦: كم كان رسولُ الله صلعم يصلِّي صلاة الضُّحى قالت: أربع ركعاتٍ ويزيد ما شاء، يدلُّ على الإثبات مطلقاً.
          وتكلَّموا في التَّوفيق بينها، فمال ابن عبد البرِّ وآخرون إلى ترجيح ما اتَّفق الشَّيخان عليه، وهو حديث الباب دون ما انفرد به مسلم، وقالوا: إنَّ عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع، فيقدم من روي عنه من الصَّحابة الإثبات.
          وقيل: سبب عدم رؤيتها أنَّه صلعم ما كان يكون عند عائشة ♦ في وقت الضُّحى إلَّا في النَّادر لكونه أكثر النَّهار في المسجد أو في موضعٍ آخر، وإذا كان عند نساءه فإنَّها كان لها يوم من تسعة أيَّام أو ثمانية.
          وذهب آخرون إلى الجمع بينها، فقال البيهقيُّ: عندي أنَّ المراد بقولها: ما رأيته سبَّحها؛ أي: داوم عليها، وقولها: وإنِّي لأسبِّحها؛ أي: أداوم عليها.
          وفي بقية الحديث الذي تقدَّم من رواية مالكٍ إشارةٌ إلى ذلك حيث قالت: وإن كان ليدع العمل، وهو يحب أن يعملَه خشية أن يعملَ به النَّاس، فيفرض عليهم، انتهى.
          وحكى المحبُّ الطَّبري أنَّه جمع بين قولها: «ما كان يصلِّي إلَّا أن يجيء من مغيبه»، وقولها: «كان يصلِّي أربعاً، ويزيد ما شاء» بأنَّ الأوَّل: محمولٌ على صلاته إيَّاها في المسجد، والثَّاني: على البيت، قال: ويعكِّر عليه حديثها الثالث؛ يعني: حديث الباب.
          ويجاب عنه: بأنَّ المنفيَّ صفة مخصوصةٌ، وأُخِذَ الجمع المذكور من كلام ابن حبَّان.
          وقال القاضي عياض: قوله: «ما صلَّاها»، معناه: ما رأيته يصلِّيها، والجمع بينه وبين قولها: «كان يصلِّيها» أنَّها أخبرت / في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها.
          وقيل: يحتمل أن يكون نفت صلاة الضُّحى المعهودة حينئذٍ من هيئةٍ مخصوصةٍ بعددٍ مخصوصٍ في وقتٍ مخصوصٍ، وأنَّه صلعم إنَّما كان يصلِّيها إذا قدم من سفرٍ لا بعددٍ مخصوص لا يغيِّره، كما قالت: يصلِّي أربعاً، ويزيد ما شاء الله.
          وذهب بعضهم إلى ظاهر الحديث المذكور وأخذوا به، ولم يروا صلاة الضُّحى حتَّى قال بعضهم: إنَّها بدعة، وقد سبق الكلام فيه قريباً [خ¦1175].
          تنبيه: حديث عائشة ♦ يدلُّ على ضعف ما روي عن النَّبي صلعم أنَّ صلاة الضُّحى كانت واجبةً عليه، وعدَّها لذلك جماعةٌ من العلماء من خصائصه، ولم يثبتْ ذلك في خبرٍ صحيح.
          وقول الماوردي في «الحاوي»: أنَّه صلعم واظب عليها بعد يوم الفتح إلى أن مات.
          يعكِّر عليه ما رواه مسلم في حديث أمِّ هانئ أنَّه لم يصلِّها قبل ولا بعد، لا يقال أنَّ نفي أمِّ هانئ لذلك يلزم منه العدم؛ لأنَّا نقول يحتاج من أثبته إلى دليلٍ، ولو وجد لم يكن حجَّة؛ لأنَّ عائشة ♦ ذكرت أنَّه كان إذا عمل عملاً أثبته، فلا يستلزم المواظبة على هذا الوجوب عليه كذا ذكره الحافظ العسقلانيُّ.