نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: كان النبي إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس

          1111- (حَدَّثَنَا حَسَّانُ) على وزن فعَّال _بالتشديد_ هو: ابن عبد الله بن سهل الكندي المصري (الْوَاسِطِيُّ) أبوه، فَقَدِمَ مصر فولد له بها حسَّان المذكور، واستمرَّ بها إلى أن مات سنة ثنتين وعشرين ومائتين، وفي الرُّواة حسَّان الواسطي الآخر، لكنَّه حسَّان بن حسَّان يروي عن شعبة وغيره، ضعَّفه الدَّارقطني، ووهم بعض النَّاس أنَّه شيخ البخاري هنا، وليس كذلك فإنَّه ليست له رواية عن المصريين.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ) بلفظ اسم المفعول من التَّفضيل (ابْنُ فَضَالَةَ) بفتح الفاء والضاد المعجمة المخففة، أبو معاوية القِتْباني _بكسر القاف وسكون المثناة الفوقية وبالموحدة وبالنون_ قاضي مصر، إمامٌ مجاب الدَّعوة، مات سنة إحدى وثمانين ومئة.
          (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين، هو: ابن خالد الأيلي (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهري (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم / إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ) أي: تميل.
          (الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) في وقت العصر، وفي رواية قتيبة عن المفضَّل في الباب الذي بعده: ((ثمَّ نزل فجمع بينهما)) [خ¦1112]، ولمسلم من رواية جابر بن إسماعيل، عن عُقيل: ((يؤخِّر الظُّهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخِّر المغرب حتَّى يجمعَ بينها وبين العشاء حين يغيب الشَّفق))، وله من رواية شَبَابة عن عُقيل: ((حتَّى يدخل أوَّل وقت العصر ثمَّ يجمع بينهما)).
          (وَإِذَا زَاغَتْ) الشَّمس؛ أي: أن يرتحلَ، ولا بدَّ من تقييده بهذا القيد كما في الرِّواية التي تأتي [خ¦1112]، وفي بعض النُّسخ: <فإذا زافت> بالفاء (صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ) واستدلَّ من يرى الجمع بهذا الحديث على أنَّ من كان نازلاً في وقت الأولى، فالأفضل أن يجمعَ بينهما بضم العصر إلى الظُّهر، وأنَّه إذا كان سائراً فالأفضل تأخير الأولى حتَّى يجمعَ بينها وبين العصر إذا وَثِق بنزوله، ووقت العصر باق، وأمَّا إذا كان سائراً في وقتيهما جميعاً فله أن يجمع على ما يراه من التَّقديم أو التَّأخير، ولكن الأفضل أن يؤخِّر الأولى إلى الثَّانية للخروج من خلاف من خالف في التَّقديم من الأئمَّة.
          وقال ابن بطَّال: اختلفوا في وقت الجمع، فقال الجمهورُ: إن شاء جمع بينهما في وقت الأولى، وإن شاء جمع في وقت الثَّانية قال: وقال أبو حنيفة وأصحابه: يصلِّي الظُّهر في آخر وقتها، ثمَّ العصر في أوَّل وقتها، ولا يجوز الجمع في وقت أحدهما إلَّا بعرفة والمزدلفة، وهذا قول بخلاف الآثار، انتهى.
          وقد مرَّ أنَّ في هذا الباب أقوالاً، وأبو حنيفة ☼ لم يخالف الآثار قط، فإنَّه احتجَّ فيما ذهب إليه بالكتاب والسنَّة والقياس، وحمل أحاديث الجمع على الجمع الصُّوري، ففيما قاله عمل بجميع الآثار، وفيما قاله ابن بطَّال، ومن رأى الجمع المعنوي إهمال للبعض مع أنَّه فيما نُقل عن الجمهور مخالفة للحديث المذكور وهو ظاهر فترقَّب.
          ورجال إسناد هذا الحديث ما بين مصري _بالميم_ وأيليٍّ ومدنيٍّ، وقد أخرج متنه مسلم، وأبو داود، والنَّسائي في «الصلاة» أيضاً.