نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: قام النبي وقام الناس معه فكبر وكبروا معه

          944- (حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو، وبضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وفي آخره حاء مهملة، أبو العبَّاس الحمصي الحضرمي، وهو حيوة الأصغر، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفي آخره موحدة، ضدُّ الصلح، الخولاني الحمصي المعروف بالأبرش، مات سنة اثنتين وتسعين ومائة (عَنِ الزُّبَيْدِيِّ) بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية، نسبة إلى زُبيد، وهو منبِّه بن صعب، وهذا هو زُبيد الأكبر، وأمَّا المنسوب فهو محمَّد بن الوليد أبو الهذيل الشامي الحمصي، وفي رواية الإسماعيلي: ((حدَّثنا الزُّبيدي)).
          (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ) بن مسعود بصيغة التَّصغير في الأول وبالتَّكبير في الثاني، وبضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وبالموحدة في الثالث، أبو عبد الله الهذليُّ المدنيُّ الفقيه الأعمى، أحد الفقهاء السَّبعة بالمدينة، مات سنة تسع وتسعين.
          (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلعم وَقَامَ) وفي نسخة: <فقام> بالفاء (النَّاسُ مَعَهُ) أي: طائفتين طائفة خلفه، وأُخرى خلفها (فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ) وزاد الكُشميهني: <معه> (ثُمَّ سَجَدَ) صلعم (وَسَجَدُوا) أي: الذين ركعوا معه (ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ) أي: الرَّكعة الثانية (فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا) معه صلعم ، وفي رواية الإسماعيليِّ: ((ثمَّ قام إلى الرَّكعة الثانية فتأخَّر الذين سجدوا معه)).
          (وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى) أي: الذين لم يركعوا ولم يسجدوا معه صلعم في الرَّكعة الأولى (فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ) صلعم (وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ) وفي رواية: <في الصَّلاة> بالتعريف، وزاد الإسماعيليُّ: «يكبرون».
          (وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً) وهذا هو موضع الترجمة، وهذا الحديث صادقٌ على صفتين:
          الأولى: أن تسجدَ الطائفة الأولى معه في الركعة الأولى والثانية في الثانية.
          والأخرى: أن تسجدَ الثَّانية معه في الأولى، والأولى في الثانية مع تحوُّل كلٍّ منهما إلى مكان الأخرى.
          والذي في مسلم وأبي داود هو الصِّفة الأولى مع التحوُّل، ولفظ أبي داود عن أبي عيَّاش الزُّرَقي قال: صلَّينا مع النبيِّ صلعم العصر بعَسَفان، فقام رسول الله صلعم والمشركون أمامه، واصطفُّوا صفًّا خلفه، وخلفَ الصف صف آخر، فركع رسول الله صلعم / وركعوا جميعاً، ثمَّ سجدَ فسجد الصفُّ الذي يليه... (1) وتقدَّم الآخرون إلى مقام الأوَّلين، ثمَّ ركع رسول الله صلعم وركعوا جميعاً، ثمَّ سجد فسجد الصَّفُّ الذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلمَّا جلس رسول الله صلعم سجد الآخرون وجلسوا جميعاً، فسلَّم بهم. ولمسلم نحوه.
          وهذا السِّياق مغاير لحديث الباب، فإنَّ فيه أن الصَّفَّين ركعوا معه صلعم وسجد معه الأول، وقامت الأخرى من الرُّكوع تحرس، ثمَّ سجدت الحارسة بعد فراغ أولئك، ولم تقع في رواية الزهريِّ هذه هل أكملوا الرَّكعة الثانية أو لا؟
          وقد رواه النسائيُّ من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن شيخه عبيد بن عبيد الله بن عُتبة، فزاد في آخره: «ولم يقضوا»، وهذا كالصَّريح في اقتصارهم على ركعةٍ ركعة.
          ولمسلم وأبي داود والنسائيِّ من طريق مجاهد عن ابن عباس ☻ قال: فرض الله الصَّلاة على لسان نبيِّكم في الحضر أربعاً، وفي السَّفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.
          لكنَّ الجمهور: على أنَّ قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأوَّلوا رواية مجاهد هذه على أنَّ المراد به ركعة مع الإمام وليس فيه نفي الثَّانية، وقد تقدَّم أنَّ محل حديث الباب إذا كان العدوُّ في جهة القبلة [خ¦943]، وهو مذهب ابن أبي ليلى، وحكى ابن القصَّار عن الشافعي نحوه.
          وقال الطحاويُّ: ذهب أبو يوسف إلى أنَّ العدوَّ إذا كان في جهة القبلة فالصلاة هكذا وإن كان في غيرها، فالصلاة كما روى ابن عمر ☻ وغيره.
          قال: وبهذا تتَّفق الأحاديث وترتفع المخالفة بينه وبين القرآن كما مرَّ، وَتَركَ مالك وأبو حنيفة ► العمل بهذا الحديث لمخالفة القرآن، وهو قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} [النساء:102] الآية، وقد عرفت ارتفاع تلك المخالفة.
          وقال أشهب وسُحنون: إذا كان العدوُّ في القبلة لا أحبُّ أن يُصلى بالجيش أجمع، بل يُصلى بطائفتين كما رَوَى ابن عمر ☻ وغيره، والله أعلم.
          ورجال إسناد حديث الباب ما بين حمصيٍّ ومدنيٍّ، وقد أخرج متنه النسائي في «الصلاة» أيضاً.


[1] للحديث تتمة _ وهي في الإرشاد مصدر المصنف_: «وقام الآخر يحرسونهم فلما قضى بهم السجدتين وقاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين».