نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: كتب إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين

          7203- (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مسرهد، قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هو: ابن سعيدٍ القطَّان / (عَنْ سُفْيَانَ) هو: الثَّوري، أنَّه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ) مولى ابن عمر (قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ) بن الحكم الأموي يبايعونه بالخلافة. وكانت الكلمة قبل ذلك متفرِّقة، إذ كان في الأرض قَبْلُ اثنان يُدعى لكلٍّ منهما بالخلافة، وهما عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزُّبير، وكان _أي: ابن الزُّبير_ امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية، وعاذ بالبيت بعد موت معاوية، فجهَّز إليه يزيد الجيوش مرَّة بعد أخرى، فمات يزيدُ وجيوشه يحاصرون ابن الزُّبير.
          ولم يكن ابن الزُّبير ادَّعى الخلافة حتَّى مات يزيد في ربيع الأول سنة أربعٍ وستين، فلمَّا مات ادَّعى ابن الزُّبير الخلافة، فبايعه النَّاس بها بالحجاز، وبايع أهل الآفاق لمعاوية بن يزيد بن معاوية، فلم يعشْ إلَّا نحو أربعين يوماً ومات، فبايع معظم الآفاق لعبد الله بن الزُّبير، وانتظم له ملك الحجاز واليمن ومصر والعراق والمشرق كله، وجميع بلاد الشام حتَّى دمشق، ولم يتخلَّف عن بيعته إلَّا جميع بني أميَّة، ومن كانوا بفلسطين، فاجتمعوا على مروان بن الحكم وبايعوه بالخلافة، وخرج بمن أطاعه إلى جهة دمشق.
          والضَّحاك بن قيس قد بايع فيها لابن الزُّبير، فاقتتلوا بمرج راهط، فقُتِل الضَّحاك وذلك في ذي الحجَّة منها، وغلب مروان على الشَّام، ولمَّا انتظم له ملك الشَّام كله توجَّه إلى مصر، فحاصر بها عامل ابن الزُّبير حتَّى غلبَ عليها في ربيع الآخر سنة خمسٍ وستين، ثمَّ مات في سنته، فكانت مدَّة ملكه ستَّة أشهر، وعهد إلى ابنه عبد الملك بن مروان، فقام مقامَه وكَمُل له ملك الشَّام ومصر والمغرب، ولابن الزُّبير ملك الحجاز والمشرق، إلَّا أنَّ المختار بن أبي عبيد غلب على الكوفة، وكان يدعو إلى المهديِّ من أهل البيت، فأقام على ذلك نحو السِّنتين، ثمَّ سار إليه مصعب بن الزُّبير أمير البصرة لأخيه، فحاصره حتَّى قُتل في شهر رمضان سنة سبعٍ وستين، وانتظم أمر العراق كله لابن الزُّبير، فدام ذلك إلى سنة إحدى وسبعين، فسار عبد الملك إلى مصعب، فقاتله حتَّى قتله في جمادى منها، ومَلَك العراق كله، ولم يبقَ مع ابن الزُّبير إلَّا الحجاز واليمن فقط، فجهَّز إليه عبد الملك الحجَّاج، فحاصره في سنة اثنتين وسبعين إلى أن قُتل عبد الله بن الزُّبير في جمادى الأولى سنة ثلاثٍ وسبعين.
          وكان عبد الله بن عمر ☻ في تلك المدَّة امتنع أن يبايعَ لابن الزُّبير، أو لعبد الملك كما كان امتنع أن يبايعَ لعليٍّ أو لمعاوية، ثمَّ بايع لمعاوية لمَّا اصطلح مع الحسن بن علي ☻ ، واجتمع عليه النَّاس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية؛ لاجتماع النَّاس عليه، ثمَّ امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قُتل ابن الزُّبير، وانتظم المُلْك كله لعبد الملك، فبايع له حينئذٍ / وهذا معنى قوله: ((لمَّا اجتمع النَّاس على عبد الملك)).
          (قَالَ: كَتَبَ) أي: ابن عمر ☻ (إِنِّي أُقِرُّ) بضم الهمزة وكسر القاف (بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ) صلعم (مَا اسْتَطَعْتُ) أي: قدر استطاعتي (وَإِنَّ بَنِيَّ) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية، وهم: عبدُ الله وأبو بكر وأبو عبيدة وبلال وعمر، أمُّهم: صفيَّة بنت أبي عبيد بن مسعودٍ الثَّقفي، وعبد الرَّحمن أمُّه أمُّ علقمة بنت نافس بن وهب، وسالم وعبيد الله وحمزة أمُّهم أم ولد، وزيد أمُّه أم ولد.
          (قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ) الَّذي أقررتُ به من السَّمع والطَّاعة، زاد إسماعيل: و((السَّلام))، والحديث من أفراده.