نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: لا يحلف على يمين صبر

          7183- 7184- (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ نَصْرٍ) هو: إسحاقُ بن إبراهيم بن نصرٍ _بالصاد المهملة_ السَّعديُّ المروزيُّ، وقيل: البخاريُّ، روى عنه البخاريُّ، تارةً يقول: ((حدَّثنا إسحاق بن نصر))، وتارةً يقول: ((إسحاق بن إبراهيم بن نصرٍ))، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) هو: ابنُ همام الصَّنعاني، قال: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هو: الثَّوري (عَنْ مَنْصُورٍ) هو: ابنُ المعتمر (وَالأَعْمَشِ) سليمان بن مهران كلاهما (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سلمة، أنَّه (قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) هو: ابن مسعودٍ ☺:
          (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : لاَ يَحْلِفُ) أي: أحدٌ (عَلَى) موجب (يَمِينِ صَبْرٍ) بغير تنوين ((يمين)) على الإضافة لتاليها، كذا في الفرع كأصله مصحَّحاً عليه لِما بينهما من الملابسة السَّابقة، وينوَّن فصبر صفةٌ له على النَّسب؛ أي: ذاتُ صبرٍ، ويمين الصَّبر هي الَّتي يلزم الحاكم الخصم بها، وقيل: أي: يمين حبس الشَّخص عندها.
          (يَقْتَطِعُ مَالاً) في موضع صفةٍ ثانيةٍ؛ أي: يكتسب قطعةً من المال لنفسه، وفي روايةٍ أخرى: ((يقتطعُ بها مال امرئٍ مسلم)) [خ¦2356] (وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ) أي: كاذبٌ. والجملة حاليَّة من فاعل ((يحلف))، أو من ضمير ((يقتطعُ))، أو صفةٌ لـ((يمين))؛ لأنَّ فيها ضميرين أحدُهما للحالف، والآخر لليمين، فبذلك صلحت أن تكون حالاً لكلِّ واحدٍ منهما (إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ) ╡ يوم القيامة (وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) من غير صرفٍ للصِّفة، وزيادة الألف والنون، والشَّرط هنا موجودٌ، وهو انتفاءُ فعلانة ووجود فعلى، وذلك في صفات المخلوقينَ، وغضبه تعالى يراد به ما أرادهُ من العقوبة، وذلك لأنَّ الغضب لا يصحُّ على الله تعالى أنَّه غليان دم القلب؛ لإرادة الانتقام، فالمراد لازمه الَّذي هو العذابُ، نعوذ باللهِ من عذابه وعقابه.
          (فَأَنْزَلَ اللَّهُ) تعالى: وزاد في ((الأيمان)) [خ¦6659]: ((تصديقهُ)) ({إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران:77] الآية) وسقط في رواية غير أبي ذرٍّ قوله: (({وأيمانهم} إلى آخره)).
          (فَجَاءَ الأَشْعَثُ) بالشين المعجمة والمثلثة، هو: ابنُ قيسٍ الكنديُّ (وَعَبْدُ اللَّهِ) أي: ابن مسعودٍ ☻ (يُحَدِّثُهُمْ) زاد في ((الأيمان)) [خ¦6660] فقال: ((ما يحدِّثكم عبد الله؟ قالوا له أي: كان يحدِّثنا بكذا وكذا)). /
          (فَقَالَ) أي: الأشعث (فِيَّ) بتشديد الياء (نَزَلَتْ) هذه الآية (وَفِي رَجُلٍ) اسمه: الخفشيش الكنديُّ، ويقال: الحضرميُّ. قال أبو عمر: يقال فيه: بالجيم وبالحاء وبالخاء وبالشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة، يُكْنَى: أبا الخير. وقيل اسمه: جرير بن معدان قدم على النَّبيِّ صلعم في وفدِ كندة.
          (خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ) كانت بيننا فجحدني (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) لي: (أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لاَ) يا رسول الله (قَالَ) صلعم : (فَلْيَحْلِفْ) بالجزم، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: <فيحلفُ> بإسقاط اللام والرفع (قُلْتُ): يا رسول الله (إِذاً يَحْلِفُ) ((إذن)) حرف جواب، وهي تنصب الفعل المضارع بأن يكون أوَّلاً بأن لا يعتمد ما بعدها على ما قبلها، وإلَّا رفعت نحو قولك: إنِّي إذن أكرمُك، وأن يكون مستقبلاً، فلو كان حالاً وجب الرَّفع، نحو قولك لمن قال: جاء الحاجُّ: إذن افرحُ، تريد الحالة الَّتي أنت فيها.
          (فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآيَةَ) قال ابن بطَّالٍ: هذا الحديث حجَّةٌ في أنَّ حكم الحاكم في الظَّاهر لا يحلُّ الحرام، ولا يبيحُ المحظور؛ لأنَّه صلعم حذَّر أمَّته عقوبة من اقتطعَ من حقِّ أخيهِ شيئاً بيمينٍ فاجرةٍ. والآيةُ المذكورة من أشدِّ وعيدٍ جاء في القرآن، فيؤخذُ من ذلك: أنَّ من تحيَّلَ على أخيه، وتوصَّل إلى شيءٍ من حقِّه بالباطلِ، فإنَّه لا يحلُّ له؛ لشدَّة الإثم فيه.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ.
          وقال ابنُ المُنيِّر: وجه دخول هذه التَّرجمة في القصَّة مع أنَّه لا فرق بين البئر والدَّار والعبد، حتَّى ترجم على البئر وحدها أنَّه أراد الرَّدَّ على من زعم أنَّ الماءَ لا يُملَك، فحقَّق بالتَّرجمة أنَّه يُملَك؛ لوقوع الحكم بين المتخاصمين فيها. انتهى.
          وتعقَّبه العينيُّ تبعاً للحافظ العسقلانيِّ: بأنَّ فيه نظراً من وجهين: أحدهما: أنَّه لم يقتصر في التَّرجمة على البئر، بل قال: ونحوها. والثَّاني: أنَّه لو اقتصر لم يكن فيه حجَّةٌ على من منعَ بيع الماء؛ لأنَّه يجوز بيع البئرِ، وليس في الخبر تصريحٌ بالماء، فكيف يصحُّ الرَّد؟ وقد سبق الحديث في ((الشُّرب)) [خ¦2356].