الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض

          278- 279- (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ): إنْ قلتَ: لِمَ أنَّثَ الفعلَ المسندَ إليه؟
          قلتُ: عندَ مَن قال: حُكْمُ ظاهرِ الجمعِ مطلقًا حكمُ ظاهرِ غيرِ الحقيقيِّ فلا إشكالَ، وأمَّا مَن قال: كلُّ جمعٍ مؤنَّثٌ إلَّا جمعَ السَّلامةِ المذكَّر(1) فتأنيثُه أيضًا عندَه على خلاف القياس، أو باعتبار القبيلة.
          وقال ابن الملقِّن: («كانتْ بنو إسرائيلَ» أي: جماعتُهم، ولذلك أدخل عليهمُ التَّأنيث، مثل قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} [الحجرات:14]).
          (إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ): استثناءٌ مفرَّغٌ، والمستثنى منه مقدَّرٌ، وهو: لأمرٍ من الأمور، و(آدَرُ): لا ينصرفُ؛ لأنَّه لا مؤنَّثَ له.
          (ثَوْبِي يَا حَجَرُ): (ثَوْبِي) مفعولُ فعلٍ محذوفٍ، نحو: (رُدَّ) أو (أعطني).
          وقال ابن الملقِّن: (أو «اُترك»، فحُذفَ الفعلُ، لدلالة الحال عليه).
          (مِنْ بَأْسٍ): اسم (مَا)(2)، و(مِنْ) زائدة.
          (بِالْحَجَرِ): معناه: جَعَل مُلتزِمًا بذلك يضربُه ضربًا، وفي بعضها: (الحَجَرَ)، وهو منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، وهو (يضربُ)، أي: طَفِقَ يضربُ الحجرَ[18ب] ضربًا. /
          (سِتَّةٌ): مرفوعٌ(3) بالبدليَّةِ، أو منصوبٌ على التَّمييزِ، وكذلك (ضَرْبًا) تمييزٌ.
          (أَيُّوبُ): مبتدأٌ، و(يَغْتَسِلُ) خبرُه، والجملةُ في محلِّ الجرِّ بإضافة (بَيْنَ) إليها(4).
          وأصل (بَيْنَا): (بَيْنَ) زيدت الألفُ؛ لإشباع الفتحة، والعامل فيه (خَرَّ).
          فإنْ قلتَ: ما بعدَ الفاء لا يعملُ فيما قبلَه؛ لأنَّ فيه معنى الجزائيَّة؛ إذ (بَيْنَ) متضمِّن للشَّرط؟
          قلتُ: لا نُسلِّم عدمَ عملِه، سيَّما في الظَّرف؛ إذْ فيه توسُّعٌ، أو العاملُ (خَرَّ) مقدَّرٌ، والمذكورُ مفسِّرٌ له.
          فإنْ قلتَ: المشهورُ دخولُ (إذ) و(إذا) في جوابه؟
          قلتُ: كما أنَّ (إذا) تقوم مَقام الفاء في جزاء الشَّرط؛ نحو قوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36] تقوم الفاء مَقام (إذا) في جواب (بين)، فبينهما مقارضة.
          وقال الطِّيبيُّ: (الفاء في «فخَرَّ» مثلُها في قوله صلعم: «بَيْنَ(5) أَنَا نَائِمٌ / أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ»)، قال المالكيُّ: (الفاءُ في قوله: «فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ» زائدةٌ؛ كالأُولى مِن قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ})، قال جارُ(6) [الله]: (أصلُ الكلامِ: قل: بفضل الله وبرحمته فليفرحوا، فبذلك فليفرحوا)، قال الطِّيبيُّ: (أقولُ: قد وقع ثلاثُ فاءاتٍ، فالْأُوْلى: لربط الكلام بما قبلَه، والثَّالثة: جوابٌ للشَّرط المقدَّر، والثَّانية: زائدةٌ؛ لأنَّ الباء في «بِذَلِكَ» متعلِّقةٌ بما بعدَه، قُدِّم للاختصاص).
          (عُرْيَانًا): مصروفٌ؛ لأنَّه (فُعلان) بالضَّمِّ، بخلاف (فَعلان)، إذا كانت الألف والنُّون زائدتين، مثل: (حُمرانٌ) و(سَكرانُ)، وهو حالٌ.
          (لَا غِنَى): إنْ قلتَ: أهو بالتَّنوين، أو بدونه؟ أو هو مرفوعٌ تقديرًا، أو منصوبٌ؟
          قلتُ: جازَ فيه الأمران، نظرًا إلى أنَّ (لَا) لنفي الجنس، أو بمعنى: (ليس) فعلى الأوَّل: هو مبنيٌّ على ما يُنصبُ به، ولا تنوينَ، وعلى الثَّاني: هو مرفوعٌ منوَّنٌ.
          فإنْ قلتَ: هل فُرِّقَ في المعنى بين الوجهين؟
          قلتُ: قال الأصوليُّونَ: النَّكرةُ في سياقِ النَّفيِ تُفيدُ العمومَ، فلا فرقَ بينهما. /
          وقال الزَّمخشريُّ في أوَّلِ (البقرة→2←): (قُرِئَ: ▬لَا رَيْبٌ↨ بالرَّفعِ، والفرقُ بينها(7) وبين القراءة المشهورة: أنَّ المشهورةَ تُوجِبُ الاستغراقَ، وهذه تُجَوِّزُه).
          إنْ قلتَ: خبرُ (لَا) هو لفظ (بِي)، أو (عَنْ بَرَكَتِكَ)؟
          قلتُ: المعنى صحيحٌ على التَّقديرينِ، وسيأتي في (كتاب الأنبياء) [خ¦3391].


[1] في النسختين: (المؤنث)، والتصحيح من «الكواكب الدراري» (3/141)، «اللامع الصبيح» (2/418).
[2] في النسختين: (اسم «كان»)، وهو خطأ تبعًا للكرماني (3/141)، والتصحيح من «اللامع الصبيح» (2/419)، و(ما) عاملة عمل (ليس) هنا.
[3] في (ب): (بالرفع).
[4] في النسختين و«الكواكب الدراري»: (إليه).
[5] هكذا في النسختين: (بين)، وفي مصدره «الكاشف عن حقائق السنن» (11/3608) (5707). والبخاري في «صحيحه» (3441) و(7128): (بينا).
[6] في النسختين: (صار)، وهو تحريفٌ.
[7] في (ب): (بينهما).