المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: أن رسول الله كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام

          5- قال البخاريُّ: حدَّثنا أبو اليَمَان: حدَّثنا شُعَيب، عن الزهريِّ _هو مَدَارُه_. [خ¦7]
          وحدَّثنا إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن مَعْمَر. [خ¦4553]
[(ح): وحدَّثني عبد الله بن محمد: حدَّثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري. [خ¦2941]
          (ح): وحدَّثنا إبراهيم بن حمزة: حدَّثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب]
(1) عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة، عن عبد الله بن عباس: أنه أخبره: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دِحْيَةَ الكلبيَّ، وأمره رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدفعه إلى عظيم بُصْرى؛ ليدفعه إلى قيصر، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنودَ فارس؛ مشى من حمص إلى إيلياءَ؛ شكرًا لما أبلاه الله، فلما جاء قيصرَ كتابُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال حين قرأه: التمِسُوا لي ههنا أحدًا من قومه؛ لأسألَهم عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
          قال ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان _قال مَعمر: من فِيه إلى فِيَّ_ قال صالح: إنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تِجَارًا في المُدة التي كانت بين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبين كفار قريش، قال أبو سفيان: فوجَدَنا رسولُ قيصر ببعض الشام، فانطلق بي وبأصحابي، حتى قدمنا إيلياءَ، فأُدْخِلنا عليه؛ فإذا هو جالس في مجلس مُلكِه، عليه التاجُ، وإذا حولَه عظماءُ الروم، فقال لترجمانه: سلهم أيُّهم أقربُ نسبًا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيٌّ؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم إليه نسبًا، قال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو ابن عمي، وليس في الركب يومئذٍ أحدٌ من بني عبد مناف غيري، فقال قيصر: أَدنُوهُ، وأمر بأصحابي فجُعلوا خلفَ ظهري عند كتفي، ثم قال لترجمانه: إني سائل هذا [عن هذا] الرجلِ الذي يزعم أنه نبيٌّ، فإن كَذَبني(2) ؛ فكَذِّبوه / ، قال أبو سفيان: لولا الحياءُ يومئذٍ من أن يأثِر أصحابي عني الكذبَ لحدثته عني _وقال شعيب: لكذبت عليه، وقال معمر: لكذبته حين سألني عنه_ ولكني استحييت أن يأثِروا الكذبَ عني فصَدَقتُ، ثم قال لترجمانه: قل له: كيف نسَبُ هذا الرجل فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسبٍ. قال: فهل قال هذا القولَ أحدٌ فيكم قبْلَه؟ قلت: لا. قال: كنتم تتَّهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل من آبائه من مَلِك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: فيزيدون أو ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتَدُّ أحدٌ سَخْطَةً لدينه بعد أن يدخُل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في مدَّة، نحن نخاف أن يغدر، قال أبو سفيان: ولم تُمكني كلمةٌ أُدخِل فيها شيئًا أنتقصه به لا أخاف أن تؤثَر عني غيرُها، قال: فهل قاتلتموه وقاتَلَكم؟ قال: نعم. قال: كيف كانت حربه وحربكم؟ قلت: كانت دولًا وسِجَالًا؛ يُدال علينا المرة، ونُدال عليه الأخرى. قال: فماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وينهانا عما كان يَعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة، والصدقة _قال يونس: والزكاة_ والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة.
          فقال لترجمانه حين قلت ذلك له: قل له: إني سألتك عن نسبه فيكم؛ فزعمت أنه ذو نسب وكذلك الرسل تُبعَث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القولَ قبله؟ فزعمت أن لا، فقلتُ: لو كان أحدٌ منكم قال هذا القولَ قبله؛ قلتُ: رجلٌ يأتَمُّ بقولٍ قد قيل قبله، وسألتك: هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبلَ أن يقول ما قال؟ فزعمتَ أن لا، فعرفتُ أنه لم يكن يَدَع الكذبَ على الناس فيكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه من مَلِك؟ فزعمتَ أن لا، فقلتُ: لو كان من آبائه من مَلَك؛ قلتُ: رجلٌ يطلب مُلكَ آبائه، وسألتك: أشرافُ الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أنَّ ضعفاءَهم اتَّبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان يَنمُّ(3) حتى يَتِمَّ، وسألتك: هل يرتدُّ(4) أحدٌ سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالِط بَشاشتُه القلوبَ لا يَسخطه أحدٌ، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون، وسألتك: هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فَعَلَ، وأن حَربَكم وحربَه دُولًا تكون؛ يُدال المرة عليكم، وتُدالُون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تُبتلى، وتكون لها العاقبةُ، وسألتك: بماذا يأمركم به؟ فزعمتَ أنه يأمركم أن تعبدوا(5) الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عمَّا كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة، والصدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة نبيٍّ، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظنَّ أنه منكم، وإنْ يكُن ما قلنا حقًّا؛ فيوشك أن يملك موضعَ قدمَيَّ_ قال مَعمر: وليبلغنَّ ملكُه ما تحت قدميَّ هاتين_ ولو أرجو أن أخلُص إليه؛ لتجَشَّمتُ لُقِيَّه، ولو كنت عنده؛ لغسلت قدميه.
          قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقُرئ؛ فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد:فإني أدعوك بداعية الإسلام، _وقال يونس: / بدعاية_ أسلِم تَسلَم، وأسلِم يؤتِك الله أجرك مرتين، وإن تولَّيت؛ فعليك إثم الأريسيين _وكذلك قال معمر، وقال يونس: اليريسيين_ و{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]».
          قال أبو سفيان: فلما أن قضى مقالتَه _زاد يونس: وفرغ من قراءة الكتاب_؛ علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم، وكثر لغطهم _ وقال شُعيب: الصَّخب، وقال معمر: اللغط_ فلا أدري ماذا قالوا، فأمر بنا فأُخرِجنا، فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم؛ قلت لهم: لقد أَمِرَ أَمرُ ابن أبي كَبْشة، هذا مَلِك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: والله، ما زلت ذليلًا مستيقنًا بأنَّ أمرَه سيظهر حتى أدخل الله عزَّ وجلَّ قلبي الإسلامَ وأنا كاره. [خ¦51]
          قال يونس في حديثه: وكان ابنُ الناطُور صاحب إيلياءَ وهرقلَ سُقُفًّا على نصارى الشام يحدِّث أن هرقل حين قدم إيلياء؛ أصبح يومًا خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك. قال ابن الناطُور: وكان هرقل حَزَّاءً؛ ينظُر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم: مُلك الخِتَان قد ظهر، فمَن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنَّك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا مَن كان فيهم من اليهود. فبينا هم على أمرهم؛ أُتِيَ هرقلُ برجلٍ أَرسَل به ملكُ غَسان يُخبِر عن خبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما استخبره هرقل؛ قال: اذهبوا، فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا _زاد شعيب: إليه_ فحدَّثوه أنه مختَتِن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا مَُلِْك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحبٍ له برُوميَّة، وكان نظيرَه في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يَرِم حمصَ حتى أتاه كتاب صاحبه يوافق رأيَ هرقل على خروج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنه نبيٌّ، فأَذِن هرقل لعظماء الروم في دَسْكَرةٍ له بحمص، ثم أَمر بأبوابها فغُلِّقت، ثم اطَّلع، فقال: يا معشرَ الروم؛ هل لكم في الصلاح _وقال شعيب: في الفلاح_ والرشد، وأن يَثبُت مُلكُكم؟ فنبايع هذا النبيَّ. فحاصوا حَيصةَ حُمُر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غُلِّقت، فلما رأى نفرتهم هرقلُ، ويئس من الإيمان؛ قال: ردوهم عليَّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت. فسجدوا له، ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.
          وخرَّجه في تفسير آل عمران في باب قوله: {تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64]، وفي باب كيف يُكتَب إلى أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإسلام قبل القتال، وفي باب هل يُرشِدُ المسلمُ أهلَ الكتاب أو يعلِّمهم الكتابَ، وفي ترجمة الحكَّام وهل يجوز ترجمان واحد، وفي باب ما يجوز من تفسير التوراة _مختصرًا_، وفي باب قوله عزَّ وجلَّ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52]، وفي باب الحرب سِجال _مختصرًا_، وفي باب دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الناسَ إلى الإسلام والنبوة...؛ الباب، وفي باب فضل الوفاء بالعهد _مختصرًا_، وفي باب دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتَلون؟ وما كتب به إلى كسرى وقيصر، وفي باب صلة المرأة / أمها ولها زوج _مختصرًا_، وفي كتاب الحيض في باب تقضي الحائض المناسك كلَّها إلا الطواف بالبيت، وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية، وفي باب من أَمر بإنجاز الوعد. [خ¦6260] [خ¦7196] [خ¦7541] [خ¦2804] [خ¦3174] [خ¦5980] [خ¦2681]


[1] ما بين معقوفين ساقط من الأصل الخطي، واللفظ المساق هو لفظ حديث لإبراهيم بن حمزة، وبدونه تسقط الواسطة بين مَعْمَر وبين عُبيد الله، ومَعمرٌ يرويه عن الزهري عنه؛ كما في الصحيح ░4553▒.
[2] في هامش الأصل: (قال محمد بن إسماعيل التيمي: «كَذَبني»، بالتخفيف؛ يتعدَّى إلى مفعولين؛ مثل: صَدَق، تقول: كذَبني الحديثَ وصَدَقني الحديثَ، قال الله تعالى: {لقد صَدَق اللهُ رسولَه الرؤيا} [الفتح:27]، وكَذَّب، بالتشديد؛ يتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، وهما من غرائب الألفاظ)، وقد نقل الحافظ ابن حجر هذا القولَ في الفتح░8/217▒.
[3] يعني: ينمو. وهذه اللفظة لم ترد في شيءٍ من روايات هذا الحديث، ولم ينبه إليها الحافظ ابن حجر في الفتح.
[4] في الأصل: يرد.
[5] في الأصل: (يعبد).