المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: توفاه الله على رأس ستين

          2327- قال البخاريُّ: وحدثنا إسماعيل: حدَّثنا مالك، عن ربيعة، عن أنس: أنه سمعه يقول: بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين. [خ¦5900]
          قال المهلب: ليس بين الأحاديث اختلاف كما يظن كثير من الناس، إلا أن أحاديث ابن عباس وعائشة متفقة على ثلاثٍ وستين؛ لأن قولهما في حديثهما: لبث بمكة عشر سنين يُنزَل عليه القرآن، وهو موافق لقول كل واحد منهما: ثلاث وستين إذا انفرد؛ لأن الثلاثة الأعوام التي فتر عنه فيها صلَّى الله عليه وسلَّم كانت بعد أن نُبِّئ بقوله عزَّ وجلَّ: {اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1]، ثم فتر عنه الوحي حتى كان يغدو إلى رؤوس الجبال؛ ليتردى منها حزنًا على ما كان فَقَدَ من الوحي، حتى كان يبدو له جبريل / فيقول له: أنت النَّبيُّ حقًّا، ثم نُزِّل عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:1-2] فأمر بالرسالة، ثم لم يفتر عنه الوحي بعد ذلك، بل تتابع؛ فلذلك اشترطت فيه وابن عباس: ثلاث عشرة بمكة ينزل عليه الوحي؛ أي: إنه قبل ذلك بقي ثلاثة أعوام لم ينزل عليه فيها الوحي، فكانت فترة بين نبوته ورسالته من ثلاث سنين.
          وحديث أنس هو من قوله لم يروه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يشهد هو مقامه بمكة كما شهدت عائشة وابن عباس فيخبر عن مشاهدته، ولكن سمعه من أحدهما أو منهما أو من غيرهما من المهاجرين فذهب عنه معنى ينزل عليه الوحي، أو عن الراوي لحديثه فلم يذكره، ولم يجتمع له من العدد أكثر من ستين، فقال بذلك عنه المحدث، فالله أعلم ممن الاختصار في ذلك أو التقصير.
          وحديث أهل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الرجال والنساء المراعين لحركاته، والمتحفظين لأموره، والضابطين لها _فخرًا لهم وأجرًا_ أولى ممن لم يشهد، والله أعلم.
          وخرج هذه الأحاديث بسنِّه صلَّى الله عليه وسلَّم في مبعث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي باب صفة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي باب علامات النبوة، وفي فضائل القرآن وكيف نزل الوحي أول ما نزل، وفي باب هجرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. [خ¦3851] [خ¦3547] [خ¦4978] [خ¦3902]