المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: سمعت قراءة رسول الله وهو لا يلتفت

          2187- قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي _وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم_: أن أباه أخبره: أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن(1) قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج؛ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة؛ إني قد رأيت آنفًا أسودة بالسواحل(2) أُراها محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقا(3) بأعيننا، ثم لبثت(4) في المجلس ساعة ثم قمت، فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت(5) بزُجِّه الأرض وخفضت(6) عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها، فدفعتها تقرب(7) حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات. [خ¦3906]
          زاد أنس: فقال: يا رسول الله؛ هذا فرس(8) قد لحق بنا، فالتفت نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «اللهم اصرَعهُ» فصرعه(9) فقامت(10) تحمحم(11)، فقال: يا رسول(12) الله؛ مرني بما(13) شئت، فقال: «قف مكانك، لا تتركن أحدًا يلحق بنا».
          فقال: فكان أول النهار جاهدًا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان آخر الليل مسلحة له.
          قال ابن شهاب: ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة؛ إذا لأثر يديها غبار(14) ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمتُ بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية / ، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزأاني شيئًا(15) ولم يسألاني إلا أن قالا(16) : «أخفِ عنا»، فسألته أن يكتب لي كتاب أمنٍ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم(17)، ثم مضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
          زاد زهير عن أبي إسحاق: فجعل لا يلقى أحدًا إلا قال: كفيتكم ما ههنا(18)، فلا يلقى أحدًا إلا رده.
          قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر ثيابَ بياضٍ.
          وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج(19) رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم؛ أوفى رجل من يهود على أُطُم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر النَّبيَّ(20) صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر(21) العرب؛ هذا جدكم الذي تنتظرونه(22)، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول(23)، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صامتًا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم [يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم] عند ذلك، فلبث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول عليه السلام بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدًا للتمر لسُهيل وسهلٍ؛ غلامين يتيمين في حجر سعد(24) بن زرارة، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل».
          ثم دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا فقالا(25) : بل نهبه لك يا رسول الله، ثم بناه مسجدًا، وطفق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول وهو ينقل [اللبن]:
«هذا الحمال لا حمال خيبر                     هذا أبر ربنا وأطهر»
          ويقول:
«اللهم إن الأجر أجر الآخرة                     فارحم الأنصار والمهاجرة»
          فتمثل بشِعر رجل من المسلمين لم يُسَمَّ لي.
          قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات(26).
          وخرَّجه في باب هل يزور صاحبه كل يوم، وفي باب شرب اللبن وقوله تعالى(27) : {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا} [النحل:66]، وفي باب إذا اشترى متاعًا أو دابة فوضعت عند البائع فباع أو مات قبل أن يقبض، وباب استئجار المشركين عند الضرورة...؛ الباب. [خ¦6079] [خ¦5607] [خ¦2138] [خ¦2263]


[1] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، في «اليونينية»: (من).
[2] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (بالساحل).
[3] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (انطلقوا).
[4] في الأصل: (لبث)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».
[5] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهني، وفي «اليونينية»: (فحططت).
[6] في الأصل: (وحفظت)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».
[7] كذا في الأصل، وزيد في «اليونينية»: (فرفعتها تقرب بي).
[8] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (فارس).
[9] كذا في الأصل، وزيد في «اليونينية»: (الفرس).
[10] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (ثم قامت).
[11] في الأصل: (تجمجم)، ولعله تصحيف.
[12] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (نبي)، وكذا في الموضع اللاحق.
[13] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (بم).
[14] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهني، وفي «اليونينية»: (عثان).
[15] كذا في الأصل، و(شيئًا) ليس في «اليونينية».
[16] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (قال).
[17] كذا في الأصل، وهي نسخة في هامش «اليونينية»، وفي «اليونينية»: (أديم).
[18] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (هنا).
[19] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (مخرج).
[20] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (برسول الله).
[21] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (معاشر).
[22] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (تنتظرون).
[23] في هامش الأصل نسخة: (يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول).
[24] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (أسعد).
[25] كذا في الأصل، وزيد في «اليونينية»: (لا).
[26] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (هذا البيت).
[27] زيد في الأصل: (يخرج)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».