المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: سار النبي حتى كان بغدير الأشطاط أتاه

          1493- قال البخاريُّ: حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم: حدثنا شريح بن مسلمة: حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق قال: حدثني أبي: عن أبي إسحاق. [خ¦3184]
          حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء. [خ¦1844]
          وحدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا يحيى بن آدم: حدثنا يزيد بن عبد العزيز _هو ابن سِياه_ عن أبيه: حدثنا حبيب بن أبي ثابت: حدثني أبو وائل قال: سهل بن حنيف قال: جاء عمر بن الخطاب فقال. [خ¦3182]
          وحدثنا سعيد بن عفير [خ¦3131] ويحيى ابن بكير [خ¦2711] : حدَّثنا الليث عن عقيل.
          وحدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا سفيان: سمعت الزهري حين حدث هذا الحديث، حفظت بعضه وثَبَّتني معمر. [خ¦4178]
          وحدثنا محمود [خ¦1811] وعبد الله [خ¦2731] : حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان يصدِّقُ كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال سفيان: عام الحديبية في بضع عشرة مئةً من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما أتى ذا الحليفة؛ قَلَّدَ الهدي وأشعره، وأحرم منها بعمرة، وبعث عينًا له من خزاعة، وسار النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه قال: إن قريشًا قد جمعوا لك جموعًا، وقد جمعوا الأحابيش وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، ومانعوك، فقال: «أشيروا أيها الناس علي، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ فإن يأتونا؛ كان الله قد قطع عينًا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين»، قال أبو بكر: يا رسول الله؛ خرجت عامدًا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربًا، فتوجه له، فمن صدنا، قاتلناه، قال: «امضوا على اسم الله».
          قال عبد الرزاق: حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إن خالد بن الوليد بالغميم(1) في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين»، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقَتَرَة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش، وسار النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال الناس: حَلْ حَلْ فألحَّت فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل» ثم قال: «والذي نفسي بيده؛ لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها» ثم زجرها، فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَدٍ قليل الماء يتبرض به(2) الناس تبرضًا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العطشُ، فانتزع سهمًا من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك؛ إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عَيبةَ نُصْحِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي [وعامر بن لؤي] / ،نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العُوذُ(3) المَطَافيل(4)، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشًا قد نهكتهم(5) الحرب وأضرَت بهم، فإن شاؤوا؛ ماددتهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس؛ فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا، وإن هم أبوا؛ فو الذي نفسي بيده؛ لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره».
          فقال بُديل: سأبلغهم ما تقول، [قال] : فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إنا قد جئنا من هذا الرجل وسمعناه يقول قولًا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم؛ فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
          فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم؛ ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أو لست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهمونني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بَلَّحوا عليَّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته(6)، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نحوًا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد؛ أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى؛ فإني والله لأرى وجوهًا، وإني لأرى أشوابًا من الناس خليقًا أن يفرُّوا ويدعوك.
          فقال له أبو بكر: امصُص بطن(7) اللات، أنحن نفرُّ عنه وندعه؟! فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده؛ لولا يدٌ كانت لك عندي لم أجرك بها؛ لأجبتك، قال: وجعل يكلم النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فكلما أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائمٌ على رأس النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه السيف وعليه المِغْفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ضرب يده بنعل السيف، وقال: أَخِّر يدك عن لحية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غُدَرُ؛ ألستُ أسعى في غَدْرتك؟ وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أمَّا الإسلام فأقبل، وأما المال فلستُ منه في شيء». ثم إن عروة جعل يرمُقُ أصحاب النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعينيه(8) قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه ورأسه وجلده، وإذا أمرهم؛ ابتدروا أمره، وإذا توضأ؛ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم؛ خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدَّون إليه النظر؛ تعظيمًا له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم؛ والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم؛ ابتدروا أمره، وإذا توضأ؛ كادوا يقتتلون على وضوئه / ، وإذا تكلم؛ خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون إليه النظر؛ تعظيمًا له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشدٍ، فاقبلوها.
          فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته(9)، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم [وأصحابه] قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «هذا فلان وهو من قوم يعظمون البُدن، فابعثوها له»، فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك؛ قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه؛ قال: رأيت البُدن قد قُلدت وأُشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت.
          فقام رجل منهم يقال له مِكرَزُ بن حَفص، فقال: دعوني آته(10)، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم؛ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «هذا مكرزٌ، وهو رجل فاجر»، فجعل يكلم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فبينما هو يكلمه؛ إذ جاء سهيل بن عمرو.
          قال [معمر] : فأخبرني أيوب عن عكرمة: أنه قال: لما جاء سهيل بن عمرو قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «قد سَهُل لكم من أمركم».
          قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابًا، فدعا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الكاتب.
          قال إبراهيم بن يوسف في حديثه عن البراء: فأخذ يكتب الشروط بينهم علي بن أبي طالب.
          قال معمر عن الزهري: فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم»، قال سهيل: أما الرحمن؛ فوالله لا أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اكتب باسمك اللهم»، ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم»، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله؛ ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إني لرسول الله وإن كذبتوني».
          قال إبراهيم بن يوسف في حديثه عن البراء: وكان لا يكتب، [قال] : فقال لعلي: «امحُ رسول الله» صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال علي: والله لا أمحه(11) أبدًا، فقال: «فأرنيه»، فأراه إياه، فمحاه رسول الله بيده.
          قال معمر قال: «اكتب محمد بن عبد الله» قال الزهري: «لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها»، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به»، فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أُخذنا ضُغطةً، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. زاد عقيل: وخليت بيننا وبينه. قال معمر: قال المسلمون: سبحان الله! كيف يُرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟!
          وقال إسرائيل في حديثه عن البراء: وألَّا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتَّبعه، وألَّا يمنع من أصحابه أحدًا أراد أن يُقيم بها. زاد إبراهيم بن يوسف في حديثه عن البراء: وألَّا يدعو منهم أحدًا، فاشترطوا عليه ألَّا يقيم بها إلا ثلاث ليال، وألَّا يدخلها إلا بجُلُبَّان السلاح. زاد إسرائيل: السيف في القراب.
          قال معمر: فبينما هم كذلك؛ إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسُفُ في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه من بين أظهر القوم، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنا لم نقض الكتاب بعد» قال(12) : فوالله إذًا لا أصالحك / على شيء أبدًا، قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فأجزه لي»، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: «بلى، فافعل» قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين؛ أرد إلى المشركين وقد جئت مسلمًا، ألا ترون ما قد لقيت؟ وقد كان عذب عذابًا شديدًا في الله.
          قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبيَّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلت: ألست نبي الله حقًّا؟ قال: «بلى»، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: «بلى» قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال: «إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري»، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى» قال: «فأخبرتك أنا نأتيه العام؟»، قلت: لا، قال: «فإنك آتيه ومطوف به» قال: فأتيت أبا بكر، فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقًا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال: أيها الرجل؛ إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، قال: فأخبرك أنك تأتيه العام؟ فقلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به.
          قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالًا.
          قال سهل بن حنيف: قال عمر: فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله؛ أوفتح هو؟ قال: «نعم».
          قال الزهري: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه: «قوموا انحروا، ثم احلقوا». قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد؛ دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا نبي الله؛ أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فخرج، فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك؛ قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ...} حتى بلغ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10].
          قال عقيل: قال الزهري: وبلغنا أنه لما أنزل الله أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم، وحكم على المسلمين ألَّا يمسكوا بعصم الكوافر؛ أن عمر طلق امرأتين. زاد معمر: كانتا له في الشرك. قال عقيل: قَريبةَ بنتَ أبي أمية وبنت جَرْول الخُزَاعي، فتزوج قريبةَ معاوية، وتزوج الأخرى أبو جهم، فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم؛ أنزل الله: {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة:11]، والعَقْب: ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأمر أن يعطى من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق صداقَ نساء الكفار اللائي هاجرن، وما أعلم أحدًا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها.
          قال عقيل: قال الزهري: وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد الثقفي قدم على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمنًا مهاجرًا. وقال معمر في حديثه: فجاء أبو بصير _رجل من قريش_ وهو مسلم.
          قال عقيل: في المدة، فكتب الأخنس بن شَرِيق إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يسأله أبا بصير.
          قال معمر: فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة / ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا، فاستله الآخر فقال: أجل والله لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفَرَّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرًا»، فلما انتهى إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قُتِل والله صاحبي، وإني لمقتولٌ، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله؛ قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ويل أمِّه مسعَرَ حَرْبٍ! لو كان له أحد»، فلما سمع بذلك علم أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت معه(13) عصابة، فوالله ما يسمعون بعِيرٍ خرجت من قريش إلى الشام؛ إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تناشده الله والرحم لمَّا أرسل: فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إليهم فأنزل الله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم...} حتى بلغ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ...} [الفتح:24-26]، وكانت حميتهم أنهم لم يُقِرُّوا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
          قال عقيل: قال ابن شهاب: ولم يأته أحد من الرجال في تلك المدة إلا رده، وإن كان مسلمًا.
          قال إسرائيل في حديثه: فلما دخلها ومضى الأجل؛ أتوا عليًّا وقالوا له: قل لصاحبك: اخرج عنا بعد مضي الأجل، فخرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فتبعته بنت حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك بنت عمك احمليها(14)، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها وهي بنت(15) عمي، وقال جعفر: بنت(16) عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت(17) أخي، فقضى بها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لخالتها وقال: «الخالة بمنزلة الأم»، وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وقال لجعفر «أشبهت خَلقي وخُلُقي»، وقال لزيد: «أخونا ومولانا».
          قال عقيل: وجاء المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومئذ وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم؛ لما أنزل الله عزَّ وجلَّ فيهن: {إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ...} إلى قوله: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10].


[1] حاشية في الأصل: (اسم وادٍ).
[2] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (يتبرضه).
[3] حاشية في الأصل: (أي: النوق أو النساء).
[4] حاشية في الأصل: (المطافيل: الفصلان أو صغر الأولاد).
[5] حاشية في الأصل: (أي: أضعفتهم).
[6] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (آتيه).
[7] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (ببظر)، وفي رواية أبي ذرٍّ: (بظرَ).
[8] في الأصل: (بعينه)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».
[9] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (آتيه).
[10] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (آتيه).
[11] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (أمحاه).
[12] في الأصل: (فقال)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».
[13] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (منهم).
[14] في الأصل: (حمليها)، وفي «اليونينية»: (حملتها)، والمثبت رواية أبي ذرًّ.
[15] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (ابنة).
[16] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (ابنة).
[17] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (ابنة).