المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: لا تفعلوا ازرعوها أو أزرعوها أو أمسكوها

          1409- قال البخاريُّ: وحدثنا ابن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم قال: ثمَّ إن عبد الله خشي أن يكون النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن، فترك كراء الأرض. [خ¦2345]
          قال مالك عن الزهري: قلت لِسالم: فتكريها أنت؟ قال: نعم، إن رافعًا أكثر على نفسه.
          قال المهلب: فإذا كان سالم لم يقض بحديث رافع بحكم ِ ثباتِ الاضطرابِ [في] سندهَ واختلاف معناه؛ وذلك أنه ذكر أن النهي كان للغرر الذي كان في استثنائهم للناحية من الأرض، وبما ينبت على الأربعاء، والأوسق من الشعير، وشيء من التبن، مما لو نظر فيه ذوو الفهم؛ لم يجيزوه؛ لما فيه من المخاطرة، وذكر في حديث ظهير عمه هذا المعنى، وزاد بأن قال لهم: «لا تفعلوا، ازرعوها، أو أزرعوها، أو أمسكوها»، فبين أنَّه عليه السلام أراد أن يتمادى أمر الأنصار مع المهاجرين على المكارمة التي ابتدؤوا معاملتهم عليها، حتى كان يقول أحدهم للمهاجري: أُقاسمك أهلي ومالي، وقد روى هذا المعنى في «الصحيح» جابر بن عبد الله وأبو هريرة وابن عباس. [خ¦2341]
          فقال البخاري: حدثنا علي: حدثنا سفيان: قال عمرو: قلت لطاووس: لو تركت المخابرة؛ فإنهم يزعمون أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عنه، قال: أي عمرو؛ إني أعطيهم وأعينهم(1)، وإن أعلمهم أخبرني _ يعني: ابن عباس_ أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم ينه عنه، ولكن قال: «أن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له من أن يأخذ عليه خرجًا معلومًا». [خ¦2330]
          قال المهلب: فصح بهذا الاعتبار أن النهي عن الكراء لم يكن إلا للغرر في المعاملة، ولاستدامة المكارمة، فإذا ارتفع الغرر ولم تسمح النفوس بالمكارمة في المنيحة / ؛ جاز كراؤها بالدراهم وبالنصيب من الإصابة؛ إذ لا غرر فيه، كما مضى عليه عمل الصحابة والتابعين من كل بيت هجرة بالمدينة، ومن الخلفاء الأربعة، وهم القرون الممدوحة؛ خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم.
          لكن مالكًا رضي عنه لما أشكلت عليه أوجه أحاديث رافع كما أشكلت على عبد الله بن عمر؛ رأى أن يقتدي به رضي الله عنه، ويلزمُ الناس من ذلك ما التزمه ابن عمر في خاصة نفسه، ولم يلزمه بَنيه، فكان سالم وغيره من بنيه يكري الأرض ولا ينهاهم.
          ثم زاد مالك: بأن خشي أن يكون النهي من طريق المزابنة، فمنع من كراء الأرض بشيء مما يخرج منها، وفي الصحابة والتابعين أسوة في العمل بالنصيب، وفي ورع ابن عمر ومالك رضي الله عنهما خير قدوة، والله يوفق من يشاء لما يحب ويرضى.
          وخرَّجه في باب كراء الأرض بالذهب والفضة، وفي باب إذا قال رب الأرض: أقرك ما أقرك الله، وفي باب ما كان أصحاب محمد صلَّى الله عليه وسلَّم يرفع بعضهم بعضًا في المزارعة، وفي باب فضل من شهد بدرًا، وفي باب فضل المنيحة. [خ¦2346] [خ¦2338] [خ¦2339] [خ¦4012] [خ¦2632]


[1] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهني، وفي «اليونينية»: (وأغنيهم).