المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب

          1247- قال البخاريُّ: أخبرنا أبو نعيم: حدَّثنا سعيد بن عبيد / عن بُشَير(1) بن يسار: أخبره سهل. [خ¦6898]
          (ح): وحدثنا مسدد: حدَّثنا بشر بن المفضل: حدَّثنا يحيى، عن بشير، عن سهل. [خ¦3173]
          وحدثنا سليمان بن حرب: حدَّثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، [عن بُشير بن يسار]، عن رافع بن خديج وسهل. [خ¦6142]
          وحدثنا عبد الله بن يوسف وإسماعيل قال: حدثني مالك، عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل، عن سهل: أنه أخبره ورجال من كبراء قومه: أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم. [خ¦7192]
          قال يحيى: وهي يومئذ صلح، فتفرقا في النخل. قال مالك: فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير أو عين. قال بشير عن يحيى: فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحَّط في دم قتيلًا فدفنه.
          قال مالك: فأتى يهودَ فقال: أنتم والله قتلتموه. قالوا: ما قتلنا(2)، والله. ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم وأقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه، وعبد الرحمن بن سهل.
          قال يحيى: فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: «كبِّر كبِّر» وهو أحدث القوم فسكت.
          وقال مالك: فقال لمحيصة: «كبِّر كبِّر» _وهو الذي كان بخيبر_ يريد السن، فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب». فكتب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم به، فكُتِبَ: ما قتلنا(3). فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟».
          زاد يحيى: «وقاتلكم». وزاد حماد عن يحيى: «بأيمان خمسين منكم» قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟! قال: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم» فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟
          قال ابن عبيد: فكره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يبطل دمه فوداه.
          وقال ابن المفضل عن يحيى: فعقله النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من عنده. وقال حماد: ففداهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من قبله. وقال [أبو ليلى عن سهل] : فوداه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من عنده مئة ناقة.
          زاد ابن عبيد: من إبل الصدقة. قال مالك: حتى أدخلت الدار. قال حماد: قال سهل: فأدركت ناقة من تلك الإبل فدخلت مربدًا لهم فركضتني برجلها.
          وخرَّجه في باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام في السؤال، وفي باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه، وفي باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، وفضل الوفاء بالعهد. [خ¦6142] [خ¦7192] [خ¦3173]
          قال المهلب: حديث سعيد بن عبيد بيِّن الوهم؛ لأنه انفرد فيه بثلاث لم يتابع على شيء منها.
          قوله: من إبل الصدقة. وقوله: «تأتوني بالبينة على من قتله».
          لم يقلهما أحد غيره، وخالفه الأئمة الأثبات كيحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، وحماد بن زيد، وكل واحد منهم أضبط من سعيد بن عبيد، فكيف بإجماعهم؟!
          والثالثة قوله: «فيحلفون» قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فوهم وأسقط بعض الحديث الذي حفظه الأئمة، وهو قوله: «فتحلفون وتستحقون دم قاتلكم»، قالوا: لم نشهد. قال: «فيحلفون».
          قال المهلب: وعلى وهمه يظن القارئ له أنه عليه السلام بدَّى المدعى عليهم باليمين على حكم سائر الحقوق / ، وقد أبى الله ذلك في الدماء، وجعل قول صاحب الدم مبدًّى في كتابه بقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا...} إلى: {اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [البقرة:72-73]، فلما أحيا الله تعالى القتيل؛ فقال: فلان قتلني، وأخذ الله بني إسرائيل بقوله، وهو صاحب الدم ولم يلتفت بعده إلى من درأ عن نفسه الدعوى بالإنكار؛ لذلك فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب ربه، فبدَّى المدعين كما ضبطته الأئمة الأثبات المأمونون، كل واحد منهم، فرد به رواية ابن عبيد، ولم يتابعه على وهمه أحد علمناه إلا أبو قلابة في حديثه المرسل الغير مسند في احتجاجه على إبطال الحكم بالقسامة، وحديثه هذا خطأ منقلب عليه من قصة الذين ذكر أنهم تحدثوا عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم خرجوا فوجدوا أحدهم قتيلًا إلى قصة خيبر، فركَّب إحداهما على الأخرى؛ لقلة حفظه.
          ولقد أخبرني بعض أصحابنا أن الشيخ أبا الحسن بن القابسي رضي الله عنه كان يقول إذا قرئ عليه قول أبي قلابة هذا لعمر بن عبد العزيز: عجبًا لعمر كيف جاز عليه قول أبي قلابة وهو من بله التابعين في إبطال ما ثبت من حكم القسامة؟!
          ولعمري إنه لعجب أن يكون ثابتًا في كتاب الله وصحيحًا من حكم رسول الله وعمل الخلفاء الراشدين، ويسمع في ذلك من أبي قلابة قولًا مرسلًا غير مسند، كما في الباب بعد هذا.


[1] في الأصل: (بُشْر)، وهو تحريف.
[2] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (قتلناه).
[3] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (قتلناه).