المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم

          1222- قال البخاريُّ: حدثنا موسى: حدَّثنا عبد الواحد: حدَّثنا معمر عن الزهري. [خ¦4021]
          (ح): وحدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: كنت أقرئ رجالًا من المهاجرين؛ منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها؛ إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلًا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين؛ هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر؛ بايعت فلانًا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت؟ فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فأحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين؛ لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم هم الذين يغلبون / على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وألَّا يعوها، وألا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنًا، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعوها على مواضعها. قال عمر: أما والله إن شاء الله؛ لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
          وقال ابن عباس: فقدمنا المدينة بعقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة؛ عجلت بالرواح حين زاغت الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسًا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلًا؛ قلت لسعيد بن زيد: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر عليَّ وقال: ما عسيتَ أن يقول مالم يقل قبله؟ فجلس عمر بن الخطاب على المنبر فلما سكت المؤذنون؛ قام فأثنى على الله عزَّ وجلَّ بما هو أهله، ثم قال: أما بعد؛ فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها؛ فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعقلها؛ فلا أحل لأحد أن يكذب علي.
          إن الله جل ثناؤه بعث محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورجمنا بعده(1)، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فتضلوا بترك فريضة أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله عزَّ وجلَّ حق على من زنى إذا أحصن، من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو(2) الاعتراف.
          ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (ألا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) أو (إنَّ كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم)، ألا ثم إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا تطْرِئوني كما أُطرِئ(3) عيسى ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله».
          ثم إنه بلغني أن قائلًا منكم يقول: والله لو مات عمر؛ بايعت فلانًا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم(4) من تُقطَع الأعناق إليه مثل أبي بكر، وإنه قد كان من خيرنا(5) حين توفى الله نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم، إن(6) الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر؛ انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا(7) نريدهم فلما دنونا منهم؛ لقينا منهم رجلان صالحان. زاد معمر: شهدا بدرًا.
          قال الزهري: فحدثت به عروة بن الزبير فقال: هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي.
          قال صالح: فذكرا ما تمالى عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار. فقالا: لا عليكم ألَّا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة. فقلت: ماله؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلًا؛ تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو / أهله، ثم قال: أما بعد؛ فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر، فلما سكت؛ أردت أن أتكلم، وكنت زوَّرت مقالة أعجبتني، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم؛ قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أعصيه(8)، فتكلم أبو بكر وكان(9) هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد(10) هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد(11) أبي عبيدة ابن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أُقَدَّم فتضرب عنقي لا يُقرِّبني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا [أن] تسول لي(12) نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جُذَيلُها المحكَّكَ، وعذيقها المرجَّب، منا أمير ومنكم أمير، يا معشر قريش، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات، حتى فَرِقتُ من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونَزَونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد(13) بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة.
          قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمرنا(14) أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارَقْنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلًا منهم(15) بعدنا، فإما بايعناهم(16) على ما لا أرضى(17)، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلًا على غير مشورة من المسلمين؛ فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةً أن يقتلا. [خ¦6830]
          وخرَّجه في غزوة بدر من أجل ذكر البدريَّين اللَّذين أخبراهم بأمر الأنصار، وفي باب ما حض عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من اتفاق أهل العلم وما أجمع عليه الحرمان مكة والمدينة، وما كان بها من مشاهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والمهاجرين والأنصار، الباب، وفي باب الهجرة(18)، وفي باب مقدم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه المدينة مختصرًا. [خ¦4021] [خ¦7323] [خ¦3928]


[1] في الأصل: (بعد)، والمثبت موافق لما في «اليونينية».
[2] في الأصل: (و)، والمثبت موافق لما في «اليونينية».
[3] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (تُطروني كما أُطري).
[4] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (منكم).
[5] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ عن المستملي، وفي «اليونينية»: (خبرنا).
[6] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (إلا أنَّ).
[7] في الأصل: (فانطلقت).
[8] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهني، وفي «اليونينية»: (أغضبه).
[9] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (فكان).
[10] زيد في الأصل: (الرجلين).
[11] في الأصل: (وبيدي)، وهو تحريف.
[12] كذا في الأصل، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينية»: (إليَّ).
[13] في الأصل: (سعيد)، وهو تحريف.
[14] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (أمر).
[15] (رجلًا منهم): تكرر في الأصل.
[16] في الأصل: (تبايعناهم)، وفي رواية أبي ذرٍّ: (تابعناهم)، والمثبت موافق لما في «اليونينية».
[17] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (نرضى).
[18] هكذا قال رحمه الله، وليس في نسخنا من البخاري.