المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي

          710- قال البخاريُّ: حدثنا ابن بكير: حدَّثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ ما سقت الهدي، ولحللت مع الناس حين أحلُّوا(1)». [خ¦7229]
          قلت: رضي الله عنك، ما قد تقدم من تأويل أخي أبي عبد الله رحمه الله من أن تسويغه عليه السلام للإحلال لولا الهدي يدل على أنه مفرد للحج / غير قارن؛ إذ لا يجوز للقارن الإحلال كان معه الهدي أو لم يكن، حتى يفرغ من عمرته.
          ومن وجه آخر من نص الحديث نفسه:
          وذلك: فتمتع الناس مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالعمرة إلى الحج، ثم قال: فلما قدم مكة، ثم قال للناس: «من كان منكم أهدى؛ فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى؛ فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، ويقصر ويحل، ثم ليهل بالحج».
          وكيف يأمرهم بالإحلال مع عدم الهدي، وهم متمتعون بالعمرة إلى الحج ثم ليهلوا، والقارن لا يحل أصلًا بهدي وبلا هدي؟ هذا من قلة النظر من المتأوِّل لهذا الحديث على غير وجهه، وقلة الفقه فيما نقل، وكذلك يجب ألَّا يتأول الحديث من ليس بفقيه.
          وهذا الوهم _والله أعلم_ موقوف على عقيل الأيلي؛ لأن مالكًا خالفه عن ابن شهاب في حديث عروة عن عائشة وفي حديث أبي الأسود عن عروة، وكذلك خالفه إبراهيم بن سعد، وهما مدنيان فقيهان حافظان لحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، لا سيما حديث أهل المدينة، وليس عقيل كأحد منهما في علم ولا ضبط، ولم يعدَّ الوهم على ابن بكير مع لينه؛ من أجل أنه ثَبْتٌ عندهم في الليث خاصة، والله أعلم.
          وأما قوله فيه: وعن عروة عن عائشة أخبرته في المتعة عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمثل حديث سالم عن أبيه، فنعم، هو مثله في الوهم، وأحاديث عائشة كلها التي خرجناها عن عروة وعن الأسود والقاسم وعمرة مسقطة لهذا لو لم يسقط بنفسه، وينهدم من نصه، ويزيده سقوطًا وحبوطًا حديث ابن عمر نفسه ورده على أنس وهمه.


[1] كذا في الأصل، وفي «اليونينية»: (حلُّوا).