المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

حديث: ونحر النبي بدنات بيده قيامًا

          707- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بخلافهم كلهم بالقران.
          قال البخاريُّ: حدثنا قتيبة: حدَّثنا عبد الوهاب: حدَّثنا أيوب. [خ¦1547]
          وحدثنا موسى بن إسماعيل: حدَّثنا وهيب عن أيوب. [خ¦1551]
          وحدثنا سليمان بن حرب: حدَّثنا حماد عن أيوب. [خ¦1548]
          (ح): وحدثنا سهل بن بكار: حدَّثنا وهيب _لفظ موسى_: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها(1) حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وبعمرة. [خ¦1714]
          وقال سهل: أهل لنا بهما جميعًا. وقال حماد وعبد الوهاب: وسمعتهم يصرخون بهما جميعًا.
          قال موسى: وأهل الناس بهما، فلما قدمنا؛ أمر الناس فحلوا، حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج، قال: ونحر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بَدَنَات بيده قيامًا، وذبح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالمدينة كبشين أملحين.
          قال البخاريُّ: قال بعضهم: هذا عن أيوب، عن رجل، عن أنس.
          قال المهلب: ثم بيَّنه رحمه الله في باب نحر البدن قائمة، ففصل ما يصح عنه عن أبي قلابة، وما منه عن رجل مجهول، فقال:
          حدثنا مسدد: حدَّثنا إسماعيل، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: صلى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
          وعن أيوب، عن رجل، عن أنس بن مالك: ثم بات بها حتى أصبح فصلى الصبح، ثم ركب راحلته، حتى إذا استوت به البيداء؛ أهل بعمرة وحجة. [خ¦1715]
          قال المهلب: فبيَّن البخاري رحمة الله عليه ضبطَ إسماعيل ابن علية له، وفصل الصحيح من المعلول، فسقط ما خالف به الجماعة وهيبٌ والله أعلم أنه من وهمه على أيوب، وإن كان عبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهما قد وقَفا الوهم فيه على أنس، فقالا: كان أنس حينئذ، يدخل على النساء وهن متكشفات وهو صغير، يصفنه بصغر السن، وقلة الضبط لما خالف فيه الجماعة.
          ويبين أن الوهم من قِبَلِ وهيبٍ ما حدثناه أبو محمد قال: حدثنا ابن مالك: حدَّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدثني أبي: حدَّثنا الأسود بن عامر، أو حسن بن موسى: حدَّثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء الصَّيقَل، عن أنس / بن مالك قال: خرجنا نصرخ بالحج صُراخًا، فلما قدمنا مكة؛ أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن نجعلها عمرة، وقال: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت؛ لجعلتها عمرة».
          قال المهلب رضي الله عنه: هذا الحديث موافق لرواية الجماعة، وهو أولى بالصواب من الحديث المعلول المخالف للجماعة، وليس لأحد أن يعتل بشك ابن حنبل في أي شيخيه حدثه؛ إذ قد أيقن أن أحدهما حدثه لا غيرهما وهما معروفان، مع تقدمه في الإمامة في الحديث وتعديل الرجال.
          قال المهلب: ويسقط هذا الحديث بقران النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من غير ما وجه؛ منها ما صح عن أنس نفسه، بلا خلاف فيه، في باب من أهل في زمن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كإهلال النَّبيِّ عليه السلام:
          قال البخاريُّ: حدثنا الحسن بن علي الخلال: حدَّثنا عبد الصمد: حدَّثنا سليم(2) بن حيان قال: سمعت مروان الأصفر عن أنس بن مالك قال: قدم علي بن أبي طالب على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من اليمن، فقال: «بم أهللت؟» قال: بما أهل به النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: «لولا أنَّي(3) معي الهدي؛ لأحللت». [خ¦1558]
          قال أخي أبو عبد الله رحمه الله: فتسويغ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الإحلال لنفسه لولا الهدي يدل على(4) أنه كان مفردًا للحج غير قارن، لأنه لا يجوز للقارن الإحلال _كان معه هدي أو لم يكن_ حتى يفرغ من عمل الحجِّ.
          قال المهلب: فهذا ما لا ذهاب عنه من قول أنس نفسه وروايته عن نبيه عليه السلام، وكذلك روته عنه عائشة وجابر وابن عباس وابن عمر وغيرهم، من قوله: «لولا الهدي؛ لأحللت»، مع قول عائشة في حديث عمرة: خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة لا نذكر إلا الحج.
          وقول جابر وابن عباس: أهللنا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالحج خالصًا ليس معه غيره، ولا يخلطه شيء.
          فلا يقاوم معلول حديث أبي قلابة، عن أنس جماعةَ الصحابة ولا واحدًا منهم، ولا يقاوم ما صح عنه من حديث مروان الأصفر.
          والعجب كل العجب كيف جاز هذا على الشافعي وغيره ممن قال بالقران على فعل النَّبيِّ عليه السلام_ ورحم الله مالك بن أنس، فلقد كان من جهابذة الأئمة في الفقه والحديث، ولم يكن غيره في علم الحديث ممن خالفه بالقريب من مكانه_ فَوَهِل؟ ولو اتبع إمام دار الهجرة ومنزل الوحي؛ لزكى وفَضُل.
          ثم نقول: إن حديث أبي قلابة المعلول قد يحتمل أن يسقط ظاهره المخالف للجماعة بالتأويل، فقد كان أخي رحمه الله يقول في قوله: ثم أهل بحج وعمرة معناه: أنه أهل بحج فعلًا، وأهل بعمرة أمرًا، كما قال: رجم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورجمنا معه في قصة ماعز، وما رجمه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بحجر، لكنه أمر برجمه.
          قال المهلب: وكذلك قولهم: كتب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى كسرى وقيصر، وما كتب هو بيده، ولكن أمر هو بالكتاب، وكذلك قولهم: [قتل] الأمير فلانًا، إذا أمر بقتله.
          ووجه آخر: وذلك أن قول موسى بن إسماعيل عن وهيب فيه: أهل لنا بهما، يحتمل أن يكون أباح لنا الإهلال بهما قولًا أمرًا أو تعليمًا منه لهم صلى الله عليه وسلم كيف يقولون في الإهلال بهما حين قرن من قرن منهم؟ فكأنه قال لهم: قولوا لبيك بحجة وعمرة، فكان إهلاله لهم بالإباحة أمرًا لهم، فقال: أهل لنا، وإلا فما معنى: لنا، في هذا الموضع؟
          وكذلك معنى قول حماد فيه: وسمعتهم يصرخون بهما جميعًا؛ يعني: الذين قرنوا، ويمكن أن يكون / سمع قومًا يصرخون بحج وقومًا بعمرة، فقال: سمعتهم يصرخون بهما جميعًا كذلك(5)، وإلا؛ فسمع القارنين.
          يدل على ذلك: ما حدثناه عبد الوهاب بن أحمد بن منير: حدَّثنا أبو سعيد بن الأعرابي: حدَّثنا سالم بن نوح، عن عمر بن عامر، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك: أن أبا طلحة صرخ بحجة وعمرة، وركبته تصكُّ ركبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
          فهذا الحديث يرد قوله: سمعتهم وسمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأن سماعه لم يكن إلا لمن قرن، لا أنه سمع النَّبيَّ عليه السلام؛ إذ من روى عن أنس: (سمعت النَّبيَّ) ليس بذاك، ولم يخرجه البخاري لذلك، فإفراده أبا طلحة بالسماع يصحح أنه لم يسمع النَّبيَّ عليه السلام، وهذا مما يثبت رواية الجماعة ويسقط الشاذ المعلول من وجه التأويل، ويصدق قول الرسول عليه السلام: «رب حامل فقه إلى من هو أوعى منه»، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
          وبقي معلول حديث ابن عمر، وذلك بالكلام على موضع فيه، والإسقاط له بحديث ابن عمر نفسه في ذلك مجردًا على الإفراد، والرد على حديث أنس أيضًا.
          وخرَّجه في باب الارتداف في الغزو، وفي باب نحر البدن قائمة في الحج، وفي باب يقصر إذا خرج من موضعه في الصلاة. [خ¦2986] [خ¦1714] [خ¦1089]


[1] في الأصل: (بهما)، وهو تحريف.
[2] في الأصل: (سليمان)، وهو تحريف.
[3] كذا في الأصل: وفي «اليونينية»: (أنَّ).
[4] في الأصل: (عليه)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[5] في الأصل: (لذلك)، ولعل المثبت هو الصواب.