مصابيح الجامع الصحيح

حديث: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي

          4330- إشارة: قوله: (وجدوا): أي: حزنوا، وفي بعضها: (وُجْد)؛ بضمِّ الواو وسكون الجيم، جمع: الواجد، وفي بعضها (وُجُد)؛ بضمِّ الجيم أيضًا، فهو إمَّا تثقيل له وإمَّا جمع الوجيد.
          إن قلت: ما فائدة التَّكرار؟
          قلت: إذا كان الأوَّل اسمًا والثَّاني فعلًا؛ فهو ظاهر، أو أحدهما بمعنى الحزن، والآخر بمعنى الغضب، أو هو شكٌّ من الرَّاوي.
          [قوله: (عالةً): جمع العائل: وهو الفقير.
          وكلمة: (قالوا): في المرة الثانية على طريقة الالتفات، أو تكرار الأول من كلام الراوي.
          و(كذا وكذا): أي: سببًا للهداية من الضلال ونحوه، وقيل: بعكس ذلك؛ أي: جئتنا مكَذبًا فصدقناك، وطريدًا فآويناك.
          (الشعار): ما يلي الجسد من الثياب، و(الدثار): ما كان فوقه.
          و(الأثرة): استقلال الأمر بالأموال.
          الخطابي: سأل سائل فقال: ما معنى هذا الكلام، وكيف يجوز عليه أن ينتقل عمن هو منهم ويدعي غير نسبه ودار مولده أيضًا غير دارهم؟
          فقلت: إنما أراد تألف الأنصار، واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم ومذهبهم، حتى رضي أن يكون واحدًا منهم، لولا ما يمنعه عنه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان على وجوه الولاية كالقرشية، والبلادية كالكوفية، والاعتقادية كالسنية، والصناعية كالصيرفية، ولا شك أن الشارع لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه؛ إذ ذلك ممتنع قطعًا، وكيف وإنه أفضل منهم نسبًا، وأكرمهم أصلًا.
          وأما الاعتقادي؛ فلا موضع فيه للانتقال؛ إذ كان دينه ودينهم واحدًا، فلم يبق إلا القسمان الأخيران الجائز فيهما الانتقال، وكانت المدينة دارًا للأنصار، والهجرة إليها أمرًا واجبًا؛ أي: لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها؛ لانتقلت عن هذا الاسم إليكم، ولانتسبت إلى بني النجار، فقد يكون الشارع ذهب هذا المذهب، إن كان أراد به نسب الولادة.
          وأم معنى: (لو سلك الأنصار واديًا أو شعبًا): فهو أن العادة أن المرء مع قبيلته في نزوله وارتحاله، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرقت في السفر الطرق؛ سلك كل قوم منهم واديًا وشعبًا، فأراد أني مع الأنصار في ذلك، ويحتمل أن يراد بالوادي: الرأي والمذهب كما يقال: فلان في واد وأنا في واد.]