مصابيح الجامع الصحيح

حديث: المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا من أحدث فيها حدثًا

          1870- (شَيْءٌ) أي: من أحكام الشَّريعة.
          إن قلتَ: ليس الحكم مُنْحصرًا فيهما؛ إذ عندهم كثير من السُّنَّة.
          قلتَ: المراد شيء مَكْتوب إذ لم تكن السُّنن في ذلك الوقت مَكْتوبة في الكتب مدوَّنة في الدَّواوين.
          إن قلتَ: تقدَّم في (كتاب العلم) أنَّه كان في الصَّحيفة العقل وفِكاك الأسير، وهنا قال فيها: (المدينة حرم...) إلى آخره.
          قلتُ: لا منافاة بينهما لجواز كون الكلِّ فيها(1).
          (عَائِرٍ) بالهمز جبل بالمدينة، وفي بعضها: (عَيْر) بدون الألف.
          عياض: / أكثر رواة البخاريِّ ذكروا (عَيْرًا)، وأمَّا (ثور)؛ فمنهم من كنَّى عنه بلفظ: (كذا)، ومنهم من ترك مكانه بياضًا؛ لأنَّهم اعتقدوا أنَّ ذكر ثور خطأ، إذ ليس بالمدينة مَوْضع يسمَّى (ثَوْرًا)، وإنَّما ذلك هو في مكَّة، بَعْضهم: الصَّحيح بدل أحد؛ أي: من عَيْرٍ إلى أُحُد، النَّوويُّ: يحتمل أنَّ (ثورًا) كان اسمًا لجبل هناك، أمَّا (أُحُد) وإمَّا غيره فخفي اسمه، وقال: (ما بين لابتيها) بيان لحدِّ حرمها من جهتي المشرق والمغرب وما بين جبليها بيان لحدِّه من جهتي الجنوب والشَّمال، الطَّيبيُّ: المراد أنَّ حرم المدينة قدر ما بين عَيْر وثور في حرم مكَّة بتقدير حذف المضاف.
          قوله: (آوَى) بالقَصْر والمدِّ في الفعل اللَّازم والمتعدِّي جميعًا، لكنَّ القَصْر في اللَّازم، والمدُّ في المتعدِّي أشهر.
          الخطَّابيُّ: يروى «مُحْدَثًَا» بفتح الدَّال؛ أي: الرَّأي المحدَث في أمر الدِّين والسُّنَّة وبكسرها؛ أي: صاحبه الَّذي أحدثه؛ أي: الَّذي جاء ببدعة في الدِّين أو بدَّل سنَّة، التَّيميُّ: يَعْني: من ظلم فيها أو أعان ظالمًا.
          (صَرْفٌ) فريضة.
          و(عَدْلٌ) نافلة.
          الحسن: «الصَّرف» : النَّافلة، و «العَدْل» : الفريضة، عكس قول الجمهور، الأصمعيُّ: «الصَّرف» : التَّوبة، و «العدل» : الفدية، قالوا: معناه: لا يقبل قبول رضا، وإن قبلت قبول جزاء.
          وقالوا: المراد بـ(اللَّعْنَة) هنا البُعْد عن رحمته تعالى وعن الجنَّة أوَّل الأمر بخلاف لعنه للكفَّار، فإنَّها البُعْد منها كلُّ الإبعاد أوَّلًا وآخرًا، وفيه وعيد شديد، واستدلُّوا بهذا على أنَّه من الكبائر.
          (ذِمَّةُ) أي: العَهْد والأمان؛ يعني: أمان المُسْلم للكافر صحيح، والمسلمون كنفس واحدة، فإذا آمن أحدهم حربيًّا؛ فهو آمنٌ لا يجوز لأحدٍ أن ينقض ذمَّته ويتعرَّض له، وللأمان شروط مَذْكورة في الفقهيَّات، وفيه أنَّ أمان العَبْد والمرأة جائز.
          و(أَخْفَرَ مُسْلِمًا) أي: نقض عَهْدَه، يقال: خفرتُ الرَّجل _بغير ألف_ إذا أمنته، وأخفرته؛ إذا نقضتَ عهده، فالهمزة للإزالة.
          (تَوَلَّى) أي: اتَّخذهم أولياء له.
          ولفظ: (بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيْهِ) ليس لتقييد الحُكْم بغير الإذن وقصره عليه، وإنَّما هو إيراد الكلام على ما هو الغالب، وهذا صريح في غلط انتماء الإنسان إلى غير أبيه، أو انتماء العتيق إلى غير مُعْتقه لما فيه من كُفْر النِّعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعَقْل وغير ذلك، مَع ما فيه من قطيعة الرَّحِم والعقوق.
          الخطَّابيُّ: لم يجعل إذن الموالي شرْطًا في ادِّعاء نسبٍ أو ولاء ليس هو منه واليه، وإنَّما ذكر الإذن في هذا تأكيدًا للتَّحريم؛ لأنَّه إذا استأذنهم في ذلك؛ مَنَعوه وحالوا بينه وبين مَا يَفْعل من ذلك.


[1] في الأصل: (فيهما).