مصابيح الجامع

حديث: والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب يحتطب

          7224- (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ) أُخذ منه تقديمُ (1) الوعيدِ (2) والتهديدِ على العقوبة (3)، وسِرُّه أن المفسدةَ إذا ارتفعتْ بالأهوَنِ من الزواجر، اكتُفي به (4) عن الأعلى.
          (ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ(5)) الأكثرون على أنَّ الجماعةَ في غير الجمعة سنةٌ، وقيل: فرضُ كفاية، وقيل: فرضٌ على الأعيان(6).
          وإذا قلنا: بأنها فرضُ عين، فهل هي شرطٌ في صحة الصلاة، أو لا؟ قولان.
          فمن قال بأنها فرضٌ على الأعيان، قد يحتج بهذا الحديث، فإنه إن قيل: إنه (7) فرض كفاية، فقد كان الفرضُ قائماً بفعل الرسول ◙ ومن معه، وإن قيل: بأنها سنة، فلا يُقتل تارك السنن، فيتعين (8) كونُها فرضَ عين.
          وأُجيب: بأن هذا في المنافقين، بدليل بقيةِ الحديث: ((والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدُهم أنه يجدُ عَرْقاً سميناً، أو مَرْماتين حسنتينِ، لشهدَ (9) العشاءَ))، وهذه ليست صفة المؤمنين، لا سيَّما أكابرهم، وهم الصَّحابة، وإذا كانت في المنافقين، فالتحريقُ للنفاق، لا لتركِ الجماعة.
          قال القاضي عياض: وقد قيل: إن هذا في المؤمنين، وأما المنافقون، فقد كان النَّبي صلعم مُعْرِضاً عنهم، عالماً بطَوِيَّاتهم، كما أنه لم يتعرَّضْ لهم في التخلُّف، ولا عاتَبَهم عليه معاتبةَ كعبٍ وأصحابِهِ من المؤمنين.
          واعترضه ابنُ دقيق العيد: بأن هذا إنما يلزمُ إذا كان تركُ معاقبةِ المؤمنين واجباً على النبي صلعم، فحينئذٍ يمتنعُ أن يُعاقبهم بهذا التَّحريق، فيجب أن يكون الكلامُ في المؤمنين.
          وإمَّا أن يقال: إن عقابَ المنافقين وتركَه كان مباحاً له ◙ مُخَيَّراً فيه، فحينئذٍ لا يتعينُ حملُ هذا على المؤمنين، إذ يجوزُ أن يكون في المنافقين؛ لجوازِ معاقبتهِ لهم، وليس في إعراضهِ ◙ عنهم (10) بمجرده ما يدلُّ على وجوبِ ذلك عليه، ولعل قولَه ◙ عندما طُلب منه قتلُ بعضهم: ((لا يُتَحَدَّثْ أنَّ محمَّداً يقتُلُ أصحَابَهَ)) يُشعر (11) بما ذكرناه من التَّخيير؛ لأنه لو كان يجبُ عليه تركُ قتلهم؛ لكان الجوابُ بذكر المانعِ الشرعي، وهو أنه لا يحلُّ قتلُهم.
          قال: ومما يشهد لمن قال: إن ذلكَ في المنافقين، سياقُ الحديث من أوله، في (12) بعض الطرق، وهو قوله ◙: ((أثقَلُ الصَّلاةِ علَى المنافِقِينَ صَلاة العِشَاءِ (13)، وصَلاةُ الفجْرِ)).
          ووجهٌ آخرُ في تقريرِ كونِه في المنافقين أن يقول: هَمُّ الرسولِ الله صلعم بالتحريق يدلُّ على جوازه، وتركُه للتحريق (14) يدلُّ على جوازِ هذا التركِ، فإذا اجتمع جوازُ (15) التحريق، وجوازُ تركه في حقِّ هؤلاءِ القومِ، دلَّ على كونهم منافقين، إذ هذا المجموعُ لا يكون في المؤمنين فيما هو (16) حقٌّ من حقوق الله تعالى.


[1] في (ج) و(ف): ((تقدم)).
[2] في (ج) و(ف): ((الوعد)).
[3] في (ف): ((والعقوبة)).
[4] ((به)): ليست في (ق) و(ف).
[5] في (ق) زيادة: ((بالنار)).
[6] في (ق) زيادة: ((قد يحتج بهذا الحديث)).
[7] في (ق): ((إن قيل بأنها)).
[8] في (ج) و(ف): ((فتعين)).
[9] في (ق): ((مرماتين حين يشهد))، وفي (ف): ((مرماتياً حسن يشهد)).
[10] ((عنهم)): ليست في (ق).
[11] في (ف): ((فشعر)).
[12] في (ق): ((وفي)).
[13] ((العشاء)): ليست في (م).
[14] في (ج) و(ف): ((التحريق))، ((يدل على جوازه وتركه للتحريق)): ليست في (ق).
[15] ((جواز)): ليست في (ف).
[16] ((هو)): ليست في (ف).