الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: تلك الروضة الإسلام وذاك العمود عمود الإسلام

          763- عن قيس بن عُبَاد قال: كنت جالساً في مسجد المدينة في ناسٍ فيهم بعضُ أصحاب النَّبيِّ صلعم، فجاء رجلٌ في وجهه أثرٌ من خشوعٍ، فقال بعضُ القوم: هذا رجلٌ من أهل الجنَّةِ، هذا رجلٌ من أهل الجنَّة! فصلَّى ركعتين تجوَّز فيهما، ثمَّ خرج فاتَّبعتُه، فدخل منزله ودخلت، فتحدَّثنا، فلمَّا استأنسَ قلت: إنَّك لمَّا دخلت قبلُ قال رجلٌ: كذا وكذا، قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحدٍ أن يقول ما لا يعلم، وسأحدِّثك لِمَ ذاك:«رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلعم، فقصصتُها عليه؛ رأيتُني في روضة، ذكر سَعتَها وعُشبَها وخُضرتَها، ووسط الرَّوضة عمودٌ من حديدٍ، أسفلُه في الأرض وأعلاه في السَّماء، في أعلاه عُروةٌ، فقيل لي: ارْقَهْ، فقلت: لا أستطيع، فجاءني مِنْصَفٌ(1) _قال ابن عون: والمِنْصَفُ الخادم_ فقال بثيابي من خلفي _وَصَفَ أنَّه رفعه من خلفه بيده_ فرقِيتُ حتَّى كنت في أعلى العمود، فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك، فلقد استيقظت وإنَّها لفي يدي، فقصصتها على النَّبيِّ صلعم، فقال: تلك الرَّوضةُ الإسلامُ، وذاك العمودُ عمودُ الإسلام، وتلك العروةُ عروةُ الوثقى، وأنت على الإسلام حتَّى تموت»، والرَّجل عبدُ الله بن سلام. / [خ¦3813]
          وفي حديث قرَّة بن خالد: كنت في حَلْقَةٍ فيها سعدُ بن مالك وابنُ عمر، فمرَّ عبدُ الله بن سلام، فقالوا: هذا رجلٌ من أهل الجنَّة.. فذكر نحوَه، وفيه: والمِنْصَف: الوصيفُ. [خ¦7010]
          ورواه مسلمٌ أيضاً من حديث خَرَشَةَ بن الحُرِّ على مساقٍ آخر، وفيه زيادةُ ألفاظٍ، قال: كنت جالساً في حلقةٍ في مسجد المدينة، قال: وفيها شيخٌ حسنُ الهيئة، وهو عبدُ الله بن سلام، قال: فجعل يحدِّثهم حديثاً حسناً، قال: فلمَّا قام قال القومُ: مَن سَرَّه أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنَّة فلينظر إلى هذا، قال: فقلت: والله لأتَّبِعَنَّه فلأعلمنَّ مكانَ بيته، قال: فتبعته، فانطلق حتَّى كاد أن يخرج من المدينة، ثمَّ دخل منزلَه، قال: فاستأذنتُ عليه فأَذِن لي، فقال: ما حاجتُك يا بنَ أخي؟ قال: فقلت له: سمعت القومَ يقولون لك لَمَّا قمت: مَن سَرَّه أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنَّة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: اللهُ أعلم بأهل الجنَّة، وسأحدِّثك مِمَّ قالوا ذاك: إنِّي بينما أنا نائمٌ إذ أتاني رجلٌ، فقال لي: قُمْ، فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجوادَّ(2) عن شمالي، قال: فأخذتُ لآخذَ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنَّها طُرُقُ أصحاب الشِّمال، قال: وإذا جوادُّ مَنْهَجٍ(3) على يميني، فقال لي: خُذْ ههنا، قال: فأتى بي جبلاً، فقال لي: اصعَد، قال: فجعلتُ إذا أردت أن أصعَد خررت، قال: حتَّى فعلت ذلك مراراً.
          قال: ثمَّ انطلق بي حتَّى أتى بي عموداً رأسُه(4) في السَّماء وأسفلُه في الأرض، في أعلاه حلقةٌ، فقال لي: اصعد فوق هذا قال قلت: كيف أصعد هذا ورأسُه في / السماء، قال: فأخذ بيدي، فزجل بي(5)، قال: فإذا أنا متعلِّقٌ بالحلقة، قال: ثمَّ ضُرِبَ العمودُ فَخَرَّ(6)، قال: وبقيت متعلِّقاً بالحلقة حتَّى أصبحت قال: «فأتيتُ النَّبيَّ صلعم فقصصتُها عليه، فقال: أمَّا الطُّرُقُ الَّتي رأيتَ عن يسارك فهي طرقُ أصحاب الشِّمال، قال: وأمَّا الطُّرقُ التي رأيتَ عن يمينك فهي طرقُ أصحاب اليمين، وأمَّا الجبلُ فهو [جبلُ] الشُّهداء، ولن تنالَهُ، وأمَّا العمود فهو عمودُ الإسلام، وأمَّا العُروةُ فهي عُروةُ الإسلام، ولن تزالَ مُتَمَسِّكاً به حتَّى تموت».


[1] المِنصَفُ: الخادم والوصيف.
[2] الجوادُّ: الطرق واحدتها جادّة.(ابن الصلاح) نحوه.
[3] المنهج: المستقيم.
[4] تصحّف في (ابن الصلاح) إلى: (رأيته).
[5] زجل بي: أي رمى بي.
[6] خرَّ: سقط.