الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: تصدق رجل من ديناره، من درهمه

          508- الخامس: عن المنذرِ بنِ جريرٍ عن أبيه قال: «كنَّا في صَدْرِ النَّهارِ عندَ رسولِ الله صلعم فجاءَهُ قومٌ عُراةٌ مُجتابِي النِّمارِ(1) أو العَبَاءِ(2)، متقلِّدِي السُّيوفِ، عامَّتُهم مِن مُضَرَ، بل كلُّهم مِن مُضَرَ، فتمَعَّرَ(3) وجهُ رسولِ الله صلعم لِمَا رأى بهِمْ مِنَ الفاقةِ، فدخَلَ ثمَّ خرَجَ، فأمَرَ بلالاً فأذَّنَ وأقامَ، فصلَّى ثمَّ خطَبَ فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ...} إلى آخر الآية {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] والآيةَ الَّتي في الحشرِ: {اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] تصدَّقَ رجلٌ مِن دينارِهِ، مِن درهَمِهِ، مِن ثوبِهِ، مِن صاعِ بُرِّه، مِن صاعِ تمْرِهِ.. حتَّى قال: ولو بشِقِّ تمْرةٍ.
          قال: فجاء رجلٌ منَِ الأنصارِ بصُرَّةٍ كادَت كفُّهُ تعجِزُ عنها، بل قد عجَزَتْ، قال: ثمَّ تتَابَعَ النَّاسُ حتَّى رأيتُ كَومَينِ(4) مِن طعامٍ وثيابٍ، حتَّى رأيتُ وجهَ رسولِ الله صلعم يتهلَّلُ كأنَّه مُدْهُنَةٌ(5)، فقال رسولُ الله صلعم: مَن / سَنَّ(6) في الإسلامِ سنَّـةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَن عمل بها بعدَه، مِن غيرِ أن يَنقُصَ مِن أجورِهم شيءٌ، ومَن سنَّ في الإسلامِ سنَّـةً سيِّئةً كان عليه وِزرُها ووِزرُ من عمل بها مِن بعدِه، مِن غيرِ أن ينقُصَ مِن أوزارِهم شيءٌ».
          وهو أيضاً في أفرادِه عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ هلالٍ العبسيِّ عن جريرٍ قال: «جاء ناسٌ مِن الأعرابِ إلى رسول الله صلعم عليهم الصُّوفُ(7)، فرَأى سوءَ حالِهم...»، فذكَرَهُ بمعناهُ. /


[1] اِجتَابوا النِّمَارَ: أي: لبِسوها فهم مُجتابون لها، والنَّمِرَةُ: كساءٌ من صوفٍ ملون مخطط، وجمعُها نِمار، وقيل: النَّمِرةُ بردةٌ تلبسها الإماء، وجمعُها نَمِراتٌ ونِمار أيضاً، وأصل الجَوبِ القطعُ، جُبتُ البلادَ؛ أي: قطعتُها وجُبتُ القميصَ قَوَّرتُ جيبه، فإذا جعلتَ له جَيباً قلتَ: جَيَّبتُه.(ابن الصلاح) نحوه.
[2] العَبَاة والعباءَة: ضربٌ من الأكسية، وجمعها عَبَاه.
[3] تمَعَّر: من المَعَرّة، وهي الشِّدة والمشقة والكرب.
[4] الكَـُومَة من الطعام: الصُّبرَة، وأصلُ الكَوم ما ارتفع وأشرف.
[5] في (ابن الصلاح): (مذهبة)، وأشار أنها نسخة: (سع)، وفي هامشها (ص: مدهنة).والمُدْهَن: نُقرة من الجبل يستنقع فيها ماء المطر، والمُدْهُن أيضاً: ما جعل فيه الدُّهن، وهو أحد ما جاء على مُفْعَل مما يستعمل، والمُدْهُنة من ذلك، شبَّه صفاءَ وجهه بإشراق السرور بصفاء هذا الماء المُستنقع في الجبل، وبصفاء الدُّهن الذي قد شُبّه به في كتابه.(ابن الصلاح) نحوه.وفي هامش (أبي شجاع): (حاشية: قال الشيخ الإمام أبو الفضل بن شافع وفقه الله: المحفوظ: (مذهبة) بالذال المعجمة والباء المعجمة بواحدة من تحتها، وقال: كذا وجدته في كتب الأئمة أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم ♥).
[6] سقط قوله: (سنَّ) من (أبي شجاع).
[7] سقط قوله: (عليهم الصُّوف) من (أبي شجاع).