الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: ليس بأحق في منكم، وله ولأصحابه هجرة

          460- الخامس والثَّلاثون: بهذا الإسنادِ عن أبي موسى قال: «بَلَغَنا مخْرَجُ رسولِ الله صلعم ونحن باليمن، فخرجْنا مهاجِرينَ إليه أنا وأَخَوانِ لي، وأنا أصغرُهم، أحدُهما أبو بُردةَ، والآخر أبو رُهمٍ، إمَّا قال: في بِضْعةٍ، وإمَّا قال: في ثلاثةٍ وخمسينَ، أو اثنيَنِ وخمسين رجلاً مِن قومي، قال: فركِبْنا سفينةً، فألقَتْنا سفينتُنا إلى النَّجاشيِّ بالحبشَةِ، فوافَقْنا جعفرَ بنَ أبي طالبٍ وأصحابَه عنده، فقال جعفرٌ: إنَّ رسولَ الله صلعم بعَثَنا ههنا وأمرَنا بالإقامة، قال: فأقمْنا معه حتَّى قدِمْنا جميعاً، قال: فوافَقْنا رسولَ الله صلعم حين افتتَحَ خيبرَ، فأسْهمَ لنا / _أو قال: أعْطانا منها_ وما قسمَ لأحدٍ غابَ عن فتْحِ خيبرَ منها شيئاً إلَّا لمنْ شهِدَ معَنا، إلَّا لأصحاب سفينتِنا مع جعفرٍ وأصحابه، قَسَمَ لهم معهم، قال: وكان ناسٌ منَ النَّاسِ يقولون لنا _يعني لأهلِ السَّفينةِ_ : سبَقْناكم بالهجرة، قال: فدخَلتْ أسماءُ بنتُ عُمَيسٍ، وهي ممَّنْ قدِمَت معنا، على حفصةَ زوجِ النَّبيِّ صلعم زائرةً، وقد كانَت هاجَرَتْ إلى النَّجاشيِّ فيمَنْ هاجَر إليه.
          فدخَلَ عمرُ على حفصةَ وأسماءُ عندها، فقال عمرُ حينَ رَأى أسماءَ: مَن هذه؟ قالتْ: أسماءُ بنتُ عُمَيسٍ، فقال عمرُ: آلحبشيَّةُ هذه، آلبحريةُ هذه؟ فقالت أسماءُ: نعم، فقال عمرُ: سبقْناكم بالهجرةِ، فنحن أحقُّ برسولِ الله صلعم منكم، فغضِبَتْ وقالت كلمةً: يا عمرُ، كلَّا والله، كنتُم مع رسولِ الله صلعم يُطْعِمُ جائِعَكُمْ، ويَعِظُ جاهِلَكُمْ، وكُنَّا في دارِ _أو في أرضِ_ البُعَداءِ البُغَضاءِ في الحبشَةِ، وذلك في الله وفي رسولِه، وايمُ الله؛ لا أَطْعَمُ طعاماً ولا أَشْرَبُ شَراباً حتَّى أذكُرَ ما قلتَ لرسولِ الله صلعم، ونحن كُنَّا نُؤذَى ونُخافُ، وسأَذكُرُ ذلك لرسول الله صلعم وأسألُه، ووالله لا أكذِبُ ولا أزِيغُ(1) ولا أزِيدُ على ذلك، قال: فلمَّا جاء النَّبيُّ صلعم قالت: يا نبيَّ الله، إنَّ عمرَ قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلعم: ليس بأحقَّ فِيَّ منكم، وله ولأصحابِه هجرةٌ واحدةٌ، ولكم أنتم _أهلَ السَّفينةِ_ هِجْرَتانِ.
          قالتْ: فلقد رأيتُ أبا موسى وأصحابَ السَّفينةِ يأْتوني أرْسالاً يسألوني عن هذا الحديثِ، ما مِنَ الدُّنيا شيءٌّ هُمْ بهِ أفْرَحُ ولا أعظَمُ في أنفسِهم مِمَّا قال لهم رسولُ الله صلعم، قال أبو بُردَةَ: فقالتْ لي أسماءُ: فلقد رأيتُ أبا موسى وإنَّه ليستَعيدُ هذا الحديثَ منِّي». / [خ¦3136]


[1] زَاغَ يزِيغ: مال عن الحق أو إلى جهة، وزاغت الشمسُ مالت.