الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: ادعوا الناس، وبشرا ولا تنفرا

          431- السَّادس: عن سعيد بنِ أبي بُردةَ عن أبيه عن جدِّه أبي موسى قال: «بعثني رسولُ الله صلعم ومعاذاً إلى اليمن، فقال: ادْعُوَا الناسَ، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا، ويسِّرا ولا تُعَسِّرا، وتَطَاوَعا ولا تختَلِفا.
          قال: فقلتُ: يا رسولَ الله؛ أفتِنا في شَرابَينِ كنَّا نصنَعُهما باليمن: البِتْعُِ، وهو من العسَلِ، يُنبَذُ حتَّى يشْتدَّ، والمِزْرُ، وهو من الذُّرةِ والشَّعيرِ، يُنبَذُ حتَّى يشتدَّ.
          قال: وكان رسولُ الله صلعم قد أُعطِيَ جوامعَ الكَلِم بخواتِمه، فقال: أَنهى عن كلِّ مُسكِرٍ أَسكَرَ عن الصلاةِ». /
          وفي حديث شعبةَ: فقال صلعم: «كلُّ مُسكِرٍ حرامٌ»، قال: فقدِمْنا اليمنَ، فكان لكلِّ واحدٍ مِنَّا قُبَّةٌ نزَلها على حِدَةٍ، فأتى معاذٌ أبا موسى وكانا يتزاورانِ، فإذا هو جالسٌ في فِناء قُبَّتِه، وإذا يهوديٌّ قائماً عنده يريدُ قتلَه، فقال: يا أبا موسى؛ ما هذا؟ قال: كان يهوديَّاً فأسلَمَ ثمَّ رجَع إلى يهوديَّتِه، فقال: ما أنا بجالسٍ حتَّى تقتُلَه، فقتَلَه، ثمَّ جلَسا يتحدَّثانِ، فقال معاذٌ: يا أبا موسى؛ كيف تقرَأُ القرآنَ؟ قال: أَتفَوَّقُه تَفوُّقاً(1) على فِراشي وفي صلاتي وعلى راحلتي، ثمَّ قال أبو موسى لمعاذٍ: كيف تقرأُ أنت؟ قال: سأنَبِّئُك بذلك، أمَّا أنا فأنامُ ثمَّ أقومُ فأقرَأُ فأَحتسِبُ في نَومَتِي ما أحتسِبُ في قَومَتِي. [خ¦3038]
          وأخرجاه من رواية حُمَيدِ بنِ هلالٍ عن أبي بُردةَ عن أبيه وفي أوَّله: قال أبو موسى: «أقبلتُ إلى النَّبيِّ صلعم ومعِي رجلانِ من الأشعريِّينَ، أحدُهما عن يميني والآخرُ عن شمالي، فكِلاهما سأل العملَ، والنَّبيُّ صلعم يستَاكُ، فقال: ما تقول يا أبا موسى، أو يا عبدَ الله بنَ قيسٍ؟ قال: فقلتُ: والَّذي بعَثك بالحقِّ؛ ما أطْلَعاني على ما في أنفسِهما، وما شعَرتُ أنَّهما يطلبانِ العملَ، قال: فكأنِّي أنظُرُ إلى سِواكه تحت شَفَتِه وقد قَلَصَت(2)، فقال: لن _أو لا_ نستَعمِلُ على / عملِنا مَن أرادَه، ولكن اذهَب أنت يا أبا موسى _أو يا عبدَ الله بنَ قيسٍ_ فبعثَه على اليمنِ، ثمَّ أتْبعَه معاذَ بنَ جبلٍ»، ثمَّ ذكَر قصَّةَ اليهوديِّ الَّذي أسلَمَ ثمَّ ارتدَّ، وزاد فيه: قال: لا أجلِسُ حتَّى يُقتَلَ، قضاءُ الله ورسولِه. ثمَّ ذكَرَ قولَهما في قيام اللَّيلِ، وليس فيه ذِكرُ الأشربةِ. [خ¦2261]
          وأخرجاهُ مختصَراً من روايةِ بُريدٍ عن أبي بردةَ عن أبي موسى قال: «دخلتُ على النَّبيِّ صلعم أنا ورجلانِ مِن بني عمِّي، فقال أحدُهما: يا رسول الله؛ أَمِّرْنا على بعضِ ما ولَّاكَ اللهُ ╡، وقال الآخَرُ مثلَ ذلك، فقال: إنَّا والله لا نُوَلِّي هذا العملَ أحداً سألَه، أو أحداً حَرَصَ عليه». لم يزِدْ. [خ¦7149]
          وأخرجه البخاريُّ وحدَه من روايةِ عبد الملك بنِ عُميرٍ عن أبي بُردةَ مرسلاً، لم يذكُرْ أبا موسى قال: «إنَّ النَّبيَّ صلعم بعَث أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن، وبعَث كلَّ واحدٍ منهما على مِخلافٍ. واليمنُ مِخلافانِ»(3)، وفيه قصَّةُ الَّذي ارتدَّ، وذِكْرُ قيامِ اللَّيل. [خ¦4342]
          وأخرجَه البخاريُّ أيضاً وحدَه تعليقاً، من رواية سليمانِ بنِ فيروزَ الشَّيبانيِّ عن أبي بردةَ عن أبي موسى قال: «لمَّا بعثني رسولُ الله صلعم إلى اليمن قلت: إنَّ لنا بها أشربةً...». [خ¦4343]
          وفي أفراد مسلمٍ عن بُريْدٍ(4) عن أبي بُردةَ عن أبي موسى قال: «كان النَّبيُّ / صلعم إذا بعَث أحداً مِن أصحابِه في بعض أمرِه قال: بَشِّروا ولا تُنَفِّروا، ويَسِّروا ولا تُعَسِّروا».
          وهذا طرَفٌ من حديث سعيدِ بنِ أبي بردةَ، قد مرَّ في أوَّلِه بمعناهُ(5).


[1] قوله في قراءة القرآن: أتَفَوَّقُه تَفوُّقاً: أي: أُفَرّقُ حزبي تخفيفاً على نفسي، فأَقرأُه في مراتٍ ولا اقرأه في مرةٍ واحدة، مأخوذ من فُوَاق النّاقة؛ فإنّها تُحلب ثم تُترك حتى تَدِرّ، ثم تُحلب وقتاً بعد وقتٍ؛ ليكون أَدرَّ للبنها.
[2] قَلَصَت الشَّفَةُ: ارتفعت، وقلَص الشيء وتقلَّص: إذا تضامَّ، وقلَص الظلُّ: نقص.(ابن الصلاح) نحوه.
[3] المِخلافُ: لأهل اليمن كالرُّستاق، والمَخاليف الرَّساتيق.
[4] في هامش (ابن الصلاح): (بلغ)، وفي بداية الصفحة (العاشر من الحميدي).
[5] في هامش (ابن الصلاح): (بلغ).