الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لا نورث، ما تركنا صدقة

          36- الثَّامن عشر: من رواية مالك بن أوسٍ أيضاً قال: أرسل إليَّ عمر بن الخطَّاب، فجئته حين تعالى النَّهار، قال: فوجدته في بيته جالساً على سريرٍ، مُفضِياً(1) إلى رُِمالِه، مُتَّكئاً على وِسادةٍ من أَدَمٍ، فقال لي: يا مالِكُ(2)، إنَّه قد دَفَّ(3) أهلُ أبياتٍ من قومِك، وقد أمرتُ فيهم برَضْخٍ(4) فخُذه فاقسِمه بينهم، قال: قلت: لو أمرتَ بهذا غيري، قال: خُذه يا مالِ، قال: فجاء يَرْفَأُ فقال: هل لك / يا أميرَ المؤمنين في عثمانَ وعبدِ الرَّحمن بنِ عوف والزُّبيرِ وسعدٍ؟ فقال عمر: نعم. فأذِن لهم فدخلوا، ثمَّ جاء فقال: هل لك في عبَّاسٍ وعليٍّ؟ قال: نعم. فأذِن لهما، فقال العبَّاس: يا أمير المؤمنين؛ اقضِ بيني وبين هذا، فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين؛ فاقضِ بينهم وأَرِحْهُم، قال مالك بن أوس: يُخيَّل إليَّ أنَّهم قد كانوا(5) قدَّموهم لذلك، فقال عمر: اتَّئد(6)، أَنشُدُكم بالله الَّذي بإذنه تقوم السَّماءُ والأرض، أتعلمون أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «لا نُورَث، ما تركنا صدقةٌ»؟ قالوا: نعم. ثمَّ أقبل على العبَّاس وعليٍّ فقال: أَنشُدُكما بالله الَّذي بإذنه تقوم السَّماءُ والأرض، أتعلمانِ أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «لا نُورَث، ما تركنا صدقةٌ»؟ قالا: نعم.
          قال عمر: إنَّ الله كان خصَّ رسوله صلعم بخاصَّةٍ لم يَخصُص بها أحداً غيرَه، فقال: {مَّا أَفَاء (7) اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر:7](8).
          وفي روايةٍ: وقال: {وَمَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ (9)} (10) [الحشر:6]، قال: فقسم رسول الله صلعم بينكم أموالَ بني النَّضير، فوالله ما استأثرَ(11) عليكم / ولا أخذَها دونَكم حتَّى بقي هذا المالُ، فكان رسول الله صلعم يأخذ منه نفقتَه سنةً، ثمَّ يجعلُ ما بقي أُسوةَ المال(12) _في روايةٍ: ثمَّ يجعلُ ما بقي مَجعَلَ مال الله_ (13) ثمَّ قال: أَنشُدُكم بالله(14) الَّذي بإذنه تقوم السَّماء والأرض؛ أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثمَّ نَشَدَ عبَّاساً وعليًّا بمثل ما نَشَدَ به القومَ: أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم، قال: فلمَّا توفِّي رسول الله صلعم قال أبو بكرٍ: أنا وليُّ رسول الله صلعم _زاد في رواية جُويريةَ بنِ أسماءَ عن مالك: فجئتما؛ تطلبُ ميراثَك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراثَ امرأته من أبيها، فقال أبو بكرٍ: قال رسول الله صلعم: «ما نُورَث، ما تركنا صدقةٌ»، إلى هنا زاد جُويريةُ_ ثمَّ توفِّي أبو بكرٍ ☺، وأنا وليُّ رسول الله صلعم ووليُّ أبي بكرٍ، فوَليتُها ثمَّ جئتني أنت وهذا وأنتما جميعٌ وأمرُكما واحدٌ فقلتُم(15) : ادفعها إلينا، فقلت: إن شئتم دفعتُها إليكم على أنَّ عليكما عهدَ الله أن تعملا فيها بالَّذي كان يعمل رسول الله صلعم، فأخذتماها بذلك، أكذلك؟ قالا: نعم، قال: ثمَّ جئتماني لأقضيَ بينكما، ولا والله، لا أقضي بينكما بغير ذلك حتَّى تقومَ السَّاعةُ، فإن عجَزتُما عنها فرُدَّاها إليَّ(16). /
          قال الحُميديُّ: وقد تركنا من قول عمرَ في مُعاتبتِهما(17) ومِن قولهما ألفاظاً ليست من المسنَد.
          زاد البَرقانيُّ في روايتِه من طريقِ مَعمَرٍ، [قال: فغلب عليٌّ عليها، فكانت بيد عليٍّ، ثمَّ كانت بيد حسنِ بنِ عليٍّ، ثمَّ كانت بيد حسينٍ، ثمَّ كانت بيد عليِّ بنِ الحسين، ثمَّ كانت بيد الحسن بنِ الحسنِ، ثم كانت بيدِ زيد بنِ الحسن، قال مَعمرٌ: ثم بيد عبد الله بنِ الحسنِ، ثمَّ وَليَها بنو العبَّاس].
          في حديث سفيانَ عن عمرٍو: أنَّ عمر قال: «كانت أموالُ بني النَّضير ممَّا أفاء اللهُ على رسوله ممَّا لم يوجِفْ(18) عليه المسلمون بخَيلٍ ولا رِكابٍ، فكانت للنَّبيِّ صلعم خاصَّةً، فكان ينفقُ على أهله نفقةَ سنةٍ.
          وفي روايةٍ: ويحبِس لأهله قوتَ سنتِهم(19)، وما بقي جعله في الكُراع(20) والسِّلاح عُدةً في سبيل الله». [خ¦2904]
          قال الحُميديُّ(21) : ويخرج منه أيضاً في مسند أبي بكرٍ من رواية عمر عنه قوله: فقال أبو بكرٍ: قال رسول الله صلعم: «لا نُورَثُ، ما تركنا صدقةٌ»، وهو من رواية جُويريةَ عن مالكٍ بالإسناد. /


[1] أفضيت إلى الشيء: وَلِيته دون حائل.
[2] في (ش): (يا مالُِ) على الترخيم.
[3] دفَّ الواردون: جاؤوا متتابعين شيئاً بعد شيء.
[4] الرَّضْخُ: عطاءٌ ليس بالكثير.
[5] سقط قوله: (قد كانوا) من (ابن الصلاح).
[6] كذا في الأصلين، وفي البخاري: (اتئدوا)، وفي مسلم (اتئدا).والتؤدة: التثبت وترك الاستعجال وإذا أمرت بذلك قلت: اتئد أي لا تستعجلْ.
[7] الفيء: غنائمُ أهل الحرب، وأصل الفيء الرجوع من جهة إلى جهة أو من مفارقة إلى موافقة، قال تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: ترجع.
[8] زاد في نسخة عند (ابن الصلاح): (ولذي القربى).
[9] الرِّكاب: ما أمكن ركوبُه من المَطيَّ وأطاقه الرَّكب، والرُّكبان والأُركوبُ الراكبون على الجمال خاصة.(ابن الصلاح).
[10] هذه الزيادة من رواية إسحاق الفروي عن مالك عن الزهري، ومن رواية شعيب عن الزهري.
[11] استأثر فلان بكذا: أي انفرد به، واستأثر الله بالبقاء أي توحَّد به، واستأثر الله بفلان أي صيَّره إليه، كنايةً عن الموت.
[12] الأسوة: الاتباع للفعل والاقتداء بالفاعل، وهذا الشيء أسوةُ هذا الشيء: أي هو تَبَعٌ له ومحكوم إلى حكمه.
[13] هذه الزيادة من رواية إسحاق عن مالك عن الزهري، ومن رواية شعيب ومعمر وعقيل عن الزهري.
[14] نشدتك الله وأنشدك بالله: أي أسألك بالله وأعرِّفكَ ما أحب عليك من الصدق لله.
[15] استشكل في (ابن الصلاح) صيغة الجمع، وهي في رواية مسلم: (قلتما).
[16] ظاهر صنيع المؤلف أنه ذكر رواية غير جويرية، وأضاف إليها ألفاظاً من رواية جويرية، وليس كذلك، بل هي روايته عن مالك وأضاف إليها في مكانين بقوله وفي رواية، والحديث تقدم تخريجه في مسند أبي بكر الصديق برقم.
[17] زاد في (ش): (شيئاً).
[18] أوجف في الشيء: اجتهد وأسرع.
[19] وهو معنى قوله: (ينفق على أهله نفقة سنةٍ) رواه معمر بالمعنى عن الزهري كما أخرجه البخاري ░5357▒.
[20] الكُراع: اسم يجمع أنواع الخيل.
[21] سقط قوله: (قال الحميدي) من (ش).