الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار

          363- الثَّامن: عن الأحنفِ بنِ قيسٍ قال: قدِمتُ المدينةَ، فبينا أنا في حَلْقةٍ فيها ملَأٌ مِن قريشٍ، إذ جاءَ رجلٌ أَخْشَنُ الثِّياب، أخْشَنُ الجسدِ، خشِنُ الوجه، فقام عليهم فقال: «بَشِّرِ الكانِزينَ برَضْفٍ(1) يُحْمى عليه في نارِ جهنَّمَ، فيُوضَعُ على حَلَمةِ أحدِهم حتَّى يخرُجَ من نُغْضِ(2) كتفَيه، ويوضَعُ على نُغْضِ كتفيه(3) حتَّى / يخرُجَ من حَلَمةِ ثديَيه(4) يتَزَلزَلُ»(5)، قال: فوضَعَ القومُ رؤوسَهم، فما رأيتُ أحداً منهم رجَع إليه شيئاً.
          قال: فأَدبَرَ، فاتَّبعتُه حتَّى جلس إلى ساريةٍ، فقلتُ: ما رأيتُ هؤلاءِ إلَّا كرِهوا ما قلتَ لهم، فقال: إنَّ هؤلاءِ لا يعقِلون شيئاً، «إنَّ خليلي أبا القاسم صلعم دعاني فأجبتُه، فقال: أترى أُحُداً؟ فنظرتُ ما عليَّ من الشَّمسِ وأنا أظنُّ أنَّه يبعَثُني في حاجةٍ له فقلتُ: أَراه، فقال: ما يَسُرُّنِي أنَّ لي مثلَه ذهباً أُنفِقُه كلَّه إلَّا ثلاثةَ دنانيرَ»، ثمَّ هؤلاءِ يجمَعون الدُّنيا لا يعقِلون شيئاً، قال: قلتُ: ما لكَ ولإخوانِكَ مِن قريشٍ لا تعْتَريهم(6) وتُصيبُ منهم؟! قال: لا وربِّك لا أسألُهم عن دنيا، ولا أَستفْتِيهم عن دِينٍ حتَّى ألحقَ بالله ورسولِه.
          هذا لفظ حديثِ مسلمٍ، وهو عند البخاريِّ بمعناهُ. [خ¦1407]
          وعند بعض الرُّواةِ فيه: أنَّ الأحنفَ قال: كنتُ في نفَرٍ من قريشٍ، فمرَّ أبو ذرٍّ وهو يقولُ: «بَشِّرِ الكانِزينَ بِكَيٍّ في ظُهورِهم يخرُجُ من جنوبِهم، وَبِكَيٍّ من قِبَلِ أقفائهم يخرُج من جِباهِهم»، ثمَّ تنحَّى فقعَد، فقلتُ: مَن هذا؟ قالوا: أبو ذرٍّ، قال: فقمتُ إليه فقلتُ: ما شيءٌ سمعتُك تقولُ قُبَيْلُ؟ قال: ما قلتُ إلَّا شيئاً سمعتُه من نبيِّهم صلعم، قال: قلتُ: ما تقولُ في هذا العطاءِ؟ قال: خُذْه، فإنَّ فيه اليومَ مَعونةً، فإذا كان ثَمَناً لدِينِك فَدَعهُ. /
          وبعضُ هذا المعنى في رواية الأعمشِ وعبدِ العزيز بنِ رُفَيعٍ وحبيبِ بنِ أبي ثابتٍ عن زيدِ بنِ وهْبٍ عن أبي ذرٍّ قال: «كنتُ أمشي مع النَّبيِّ صلعم وهو ينظُر إلى أُحُدٍ، فقال: ما أُحِبُّ أن يكونَ لي ذهباً يُمسي عليَّ ثالثةٌ وعندي منه شيءٌ...».
          وفي روايةٍ: «وعندي منه دينارٌ إلَّا دينارًٌ أُرصِدُه(7) لدَينٍ، إلَّا أن أقولَ به في عبادِ الله هكذا _حثا بين يدَيه_ وهكذا عن يمينه وهكذا عن شمالِه».
          وهذا طرفٌ من حديثٍ قد تقدَّم طرَفٌ منه. [خ¦2388]


[1] الرَّضْف: الحجارة المحمَّاة.
[2] النُّغْضُ والناغِضُ: غُضروف الكتف، ويقال: غُرضوف أيضاً، وهو الرقيقُ اللين الذي بين اللحم والعظم، وهو فرع الكتف، وقيل له ناغضٌ: لتحركه وقيل نُغْضُ الكتف: هو العظيم الرقيق على طرفه، ثم يقال لأصل العنق أيضاً: ناغض، حيث ينغِض به الإنسان رأسه، قال الله تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} [الإسراء:51] أي: يحركونها بذلك ويميلونها ليسمعوا قولك.(ابن الصلاح) نحوه.
[3] أشار في (ابن الصلاح) أنها نسخة: (سع)، وفي هامشها نسخة: (ص: كتفه)، وجاءت الروايات في نسخنا بالوجهين.
[4] في (أبي شجاع): (ثديه)، وجاءت الروايات في نسخنا بالوجهين.
[5] تتزَلزَلُ: تتحركُ بإنزعاجٍ ومشقة.
[6] تَعترِيهم: تقصدُهم وتغشاهم.(ابن الصلاح).
[7] أُرْصِدُه: أي: أُعِدُّه.