الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أين أنا غداً؟ أين أنا غداً

          3223- الثَّالثُ والسَّبعون: عن هشام بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ: «أنَّ رسول الله كان يسألُ في مرضه الذي مات فيه يقول: أينَ أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ يريدُ يومَ عائشةَ، فأذِنَ له أزواجُه يكونُ حيث شاء، فكان في بيت عائشةَ حتى مات عندَها. /
          قالت عائشةُ: فمات في اليومِ الذي كان يدورُ عليَّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإنَّ رأسَه لَبينَ نَحْري وسَحْري(1)، وخالطَ ريقُه ريقي؛ دخل عبد الرحمن بنُ أبي بكرٍ ومعه سواكٌ يَستنُّ به، فنظر إليه رسول الله، فقلت له: أعطني هذا السواكَ يا عبد الرحمن، فأعطانيه فقضِمتُه(2)، ثم مضغتُه، فأعطيتُه رسول الله، فاستنَّ به وهو مستندٌ إلى صدري». لفظُ حديث البخاريِّ وهو أكملُها. [خ¦1389]
          وفي حديث أبي أسامةَ ومحمدِ بن حربٍ: «إنْ كان لَيتفقدُ في مرضه يقول: أينَ أنا اليومَ؟ أين أنا غداً؟ استبطاءً ليوم عائشةَ، فلما كان يومي قبضَه الله بين سَحْري ونَحْري». [خ¦3774]
          وفي حديث محمَّدِ بنِ حربٍ: «ودُفِن في بيتي». / [خ¦1389]
          وأخرج البخاريُّ من حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشَةَ قالت: «دخل عبد الرحمن بنُ أبي بكرٍ على النَّبيِّ وأنا مُسْنِدتُه إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواكٌ رطب يستنُّ به، فأبدَّه(3) رسول الله بصرَه، فأخذت السواكَ، فقضِمتُه، وطيَّبْته، ثم دفعته إلى النَّبيِّ فاستنَّ به، فما رأيتُ رسول الله استنَّ استناناً أحسنَ منه، فما عدا أن فرَغ رسول الله رفَع يدَه أو(4) إصبعَه ثم قال: في الرفيقِ الأعلى. ثلاثاً، ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقِنَتي وذاقِنَتي(5)». [خ¦4438]
          وفي رواية ابنِ الهادِ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشَةَ قالت: «مات النَّبيُّ وإنَّه لَبينَ حاقِنَتي وذاقِنَتي، فلا أكره شدَّةَ الموتِ لأحدٍ أبداً بعد النَّبيِّ». [خ¦4446]
          وللبخاريِّ من حديث هشام بن عروةَ عن أبيه: «أنَّ رسول الله لمَّا كان في مرضه جعَل يدورُ في نسائه، ويقول: أينَ أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ حرصاً على بيت عائشةَ، قالت عائشةُ: فلما كان يومي سَكنَ». / [خ¦3774]
          وأخرج البخاريُّ أيضاً من حديث أبي محمَّدٍ عبد الله بن عُبيد الله بن أبي مُليكةَ عن عائشَةَ قالت: «توفي النَّبيُّ في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْري ونَحْري، وكان أحدُنا تُعوِّذُه بدعاءٍ إذا مرض، فذهبتُ أُعوِّذُه فرفع رأسَه إلى السماء وقال: في الرفيقِ الأعلى، في الرفيقِ الأعلى. ومرَّ عبد الرحمن بنُ أبي بكرٍ وفي يدِه جَريدةٌ رطبةٌ، فنظر إليه النَّبيُّ، فظننت أنَّ له بها حاجةً، فأخذتُها، فمضغتُ رأسَها ونقضتُها(6)، فدفعتُها إليه، فاستنَّ بها كأحسنِ ما كان مُستنَّاً، ثم ناولَنيها، فسقطت يدُه، أو سقطتْ من يده، فجمعَ الله بين ريقي وريقِه في آخرِ يومٍ من الدُّنيا وأوَّلِ يومٍ من الآخرة». [خ¦4451]
          وفي حديث نافعِ بن عمرَ الجُمَحي عن ابنِ أبي مُليكةَ نحوُه، إلَّا أنَّه قال: قالت: «دخل عبد الرحمن بسواك، فضَعُف النَّبيُّ عنه، فمضَغتُه، ثم سنَنْتُه به». [خ¦3100]
          وأخرجه أيضاً من حديثِ أبي عمرٍو ذَكوانَ مولى عائشةَ: أنَّ عائشةَ كانت تقول: «إنَّ من نِعمِ الله عليَّ أنَّ رسول الله توفي في بيتي، ويومي، وبين سَحْري ونَحْري، وأنَّ الله جمع بين ريقي وريقِه عند موتِه، دخل عليَّ عبد الرحمن وبيدِه سواكٌ، وأنا مُسنِدةٌ رسول الله، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنَّه يُحبُّ السواكَ، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أنْ نعم، فتناوله، فاشتدَّ عليه، فقلت: أُليِّنُه لك؟ فأشار برأسِه أن نعم، فليَّنتُه، فأَمَرَّه، وبين يديه رَكوةٌ _أو عُلْبَة(7) شكَّ / الرَّاوي_ فيها ماءٌ، فجعل يُدخِل يديه في الماء فيَمسح بهما وجهَه يقول: لا إله إلَّا الله، إنَّ للموتِ سكراتٍ. ثم نصَب يدَه فجعل يقول: في الرفيقِ الأعلى. حتى قُبِض، فمالت يدُه». [خ¦4449]


[1] النَّحْر: الصَّدْر، والسَحْر: ما لصق بالحلقوم والمَريء من أعلى البطن، ويقال: هي الرِّئة، قاله غير واحد.(ابن الصلاح نحوه).
[2] القَصْمُ: بالصاد المهملة الكسر، يقال: قصمت الشيء كسرته، والقَضْمُ: بالضاد المعجمة، قَضْمُ الدابة شعيرها، يقال: قضمَته تقضِمه، والفَصْمُ: بالفاء والصاد المهملة أن يتصدع الشيء من غير أن يَتبيَّن، وكل مُبين مقصوم، فإذا بان فهو القصم، بالقاف والصاد المهملة، ومن هذا يقال: هو أقصَمُ البنْيَة، أي: منكسرها، والذي في حديث عائشة ♦ أقرب إلى القضم بالقاف والضاد المنقوطة؛ لأنه مضغُ وتليينُ ما اشتد من السواك، والفصم بالفاء قريب من ذلك، والذي رويناه فبالقاف والضاد، والله أعلم بما قالته، أو قاله الراوي عنها.(ابن الصلاح نحوه).
[3] أَبَدَّه بَصَرَه: بالباء؛ أي: مدَّه إليه، كأنَّه أعطاه بَدَّةً من بصره أي حظاً، والبَدَّة: الحظ والنصيب، وأبدَّ يده إلى الأرض أي مدَّها.(ابن الصلاح نحوه).
[4] في (ت): (و) وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[5] قالت: توفي بين حاقِنَتي وذاقِنَتي: الحاقِنَة: ما سفُل من البطن، والذَّاقِنَة: طرف الحلقوم الثانية، كذا في «المجمل»، وحكى الهروي عن أبي الهيثم: الحاقنة المطمئِنُّ من الترقُوة والحلق، والذاقنة نُقْ
ةرَة الذقن، وقال أبو عبيد: الذاقنة طرف الحلقوم، وقال غيره: الذاقنة الذقن.(ابن الصلاح نحوه).
[6] في هامش (ابن الصلاح): (سع: نفضتها).
[7] وبين يديه رَكوةٌ أو عُلْبَة: الرَّكوَة: معروفة، والعُلبة: قدَح ضخم من خشب يحلب فيه.(ابن الصلاح نحوه).