الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته

          3187- السَّابعُ والثَّلاثونَ: عن الزُّهريِّ وهشامِ بن عروةَ عن عُروَةَ عن عائشَةَ قالت: «كَسفَت الشَّمسُ على عهد رسول الله(1)، فقام النَّبيُّ فصلَّى بالنَّاس، فأطال القراءةَ، ثم ركَع فأطال الرُّكوعَ، ثم رفع رأسَه فأطال القراءةَ، وهي دون قراءتِه الأولى، ثم ركع فأطال الرُّكوعَ، دون ركوعِه الأولِ، ثم رفع رأسَه فسجد سجدتين، ثم قام، فصنع في الرَّكعة الثَّانية مثلَ ذلك، ثم قام فقال: إنَّ الشَّمسَ والقمرَ لا يَنكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتانِ من آياتِ الله يُريهِما عبادَه، فإذا رأيتم ذلك فافزَعُوا إلى الصَّلاةِ(2)». [خ¦1058]
          وفي حديث اللَّيث عن عُقيل عن الزُّهريِّ وحدَه نحوُه، إلا أنَّه قال: «فسلَّم وقد تجلَّت الشَّمسُ، فخطبَ النَّاسَ» ثم ذكَر الحديثَ. [خ¦1046]
          وقال في حديث عَنْبَسة عن يونسَ بن(3) يزيدَ عن الزُّهريِّ عن عُروَةَ: «خَسَفت الشَّمس في حياة النَّبي، فخرج إلى المسجد، فصَفَّ النَّاسُ وراءَه، فكبَّر _فذَكر نحوَه، إلا أنَّه قال:_ ثم قال: سمعَ الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمدُ، ثم سجد». وفيه: «وانجلتِ الشَّمس قبل أن ينصرفَ». ثم وصل به حديثاً عن كثير بن عباس عن ابن عباسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلَّى أربع ركعاتٍ في ركعتينِ وأربعَ سجَدات»، ثم قال الزُّهريُّ: فقلت لعروةَ: إنَّ أخاكَ يوم كَسَفت / الشَّمسُ بالمدينة لم يزد على ركعتين مثلَِ الصُّبحِ، قال: أجل، لأنَّه أخطأ السُّنةَ. [خ¦1046]
          وفي حديث الوليدِ عن الأوزاعي [و](4) عبد الرحمن بن نَمِر: «أنَّه ◙ في صلاة الخسوفِ(5) جهر بقراءتِه، فإذا فَرَغ من قراءته كبَّر فركع، وإذا رفع من الرَّكعة قال: سمعَ الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمدُ. ثم يُعاود القراءةَ في صلاة الكسوف أربعَ ركعاتٍ في ركعتين وأربعَ سجَداتٍ».
          قال: وقال الأوزاعيُّ وغيرُه عن الزُّهريِّ عن عُروَةَ عن عائشَةَ: «خَسَفت الشَّمسُ على عهد
          النَّبيِّ، فبعث مُنادياً: الصَّلاةُ جامعةٌ، فقام فصلَّى أربعَ ركعاتٍ في ركعتين وأربعَ سجَدات». [خ¦1065]
          قال البخاريُّ: تابعه سليمانُ بن كثيرٍ وسفيانُ بن(6) حسينٍ عن الزُّهريِّ في الجهر.
          وفي حديث أبي الطَّاهرِ وحرملةَ ومحمدِ بن سلَمةَ المُرادي عن ابن وهبٍ عن يونسَ نحوُ ما تقدَّم في أوَّله، وفيه: «ثم قال: سمِع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمدُ. ثم قام فاقْتَرَأ قراءةً طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبَّر فركَع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الرُّكوع الأول، ثم قال: سمِع الله لمن حمده، ربَّنا ولك الحمدُ. ثم سجد _ولم يذكر أبو الطَّاهر: ثم سجَد_ ثم فعَل في الرَّكعة الأخرى مثلَ ذلك حتى استكملَ أربع ركعاتٍ وأربع سَجَدات، ثم ذكره إلى قوله: فافْزَعُوا إلى / الصَّلاة _قال: وقال أيضاً:_ فصلُّوا حتى يُفرَجَ(7) عنكم».
          وقال رسول الله: «رأيتُ في مقامي هذا كلَّ شيء وُعِدتُم، حتى لقد رأيتُني أُريد أن آخذَ قِطْفاً من الجنَّة حين رأيتُمُوني جعلت أُقدِّم _وقال المرادي: أتقدَّم_ ولقد رأيتُ جهنَّمَ يَحطِم بعضُها بعضاً(8) حين رأيتموني تأخَّرتُ، ورأيت فيها ابنَ لُحَيٍّ» وهو الَّذي سيَّب السَّوائب(9).
          وانتهى حديث أبي الطَّاهر عند قوله: «فافزَعُوا إلى الصَّلاة». ولم يذكر ما بعده.
          وأخرجاه من حديث هشام بن عروةَ وحدَه عن عُروَةَ(10) عن عائشَةَ قالت: «خَسَفت الشَّمسُ في عهد رسول الله فقام...». ثم ذكر الأربعَ ركعاتٍ / وإطالتَه فيها، وأنَّ القيامَ والرُّكوع في كلٍ منها دونَ ما قبله، وفيه: «ثم انصرف وقد انجلت الشَّمسُ(11)، فخطب النَّاسَ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتان من آياتِ الله لا يَخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتُم ذلك فادعوا الله وكبِّروا وصلُّوا وتصدَّقوا. ثم قال: يا أمَّةَ محمَّد؛ والله! ما من أحدٍ أغيرُ من الله أن يزنِيَ عبدُه أو تزنيَ أمتُه، يا أمَّةَ محمَّد؛ والله: لو تعلمون ما أعلم لضحكتُم قليلاً ولبكيتُم كثيراً». [خ¦1044]
          زاد في آخر حديث عبد الله بن نُمير عن هشام: «ألَا هل بلَّغتُ».
          وقال في حديث أبي معاويةَ عن هشام بن عروةَ: «ثم رفع يديه فقال: اللَّهمَّ هل بلَّغت».
          وأخرجاه من حديث عَمرةَ بنتِ عبد الرحمن عن عائشَةَ: «أنَّ يهوديةً جاءت تسألُها، فقالت لها: أعاذكِ الله من عذاب القبر، فسألت عائشةُ رسول الله: أيُعذَّبُ الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله: عائذاً بالله من ذلك. ثم ركب رسول الله ذاتَ غداةٍ مَركباً فخَسَفت الشَّمسُ فرجع ضحًى، فمرَّ رسول الله بين ظهراني الحُجَر، ثم قام يصلِّي وقام النَّاس وراءَه». ثم ذكَر نحوَ ما تقدَّم في عدد الرُّكوع وطولِ القيام، وأنَّ ما بعد كل من ذلك دون ما قبله، وقال في آخره: «ثم انصرف فقال ما شاء الله أن يقولَ، ثم أمرهم أن يتعوَّذوا من عذاب القبرِ». / [خ¦1049] [خ¦1064]
          وفي حديث القَعنبيِّ عن سليمانَ بن بلال نحوُه، وفي آخره: «فقال: إنِّي قد رأيتُكم تُفتَنون في القبور كفتنة الدجَّال» قالت عَمرةُ: فسمعت عائشةَ تقول: «فكنتُ أسمع رسول الله بعد ذلك يتعوَّذ من عذاب النَّارِ وعذابِ القبر».
          وأخرجه مسلمٌ بخلاف ذلك في عدد الركعاتِ من حديث عطاءِ بن أبي رباحٍ عن أبي عاصم عُبَيد بن عُمَير عن عائشَةَ: «أنَّ نبيَّ الله صلَّى ستَّ ركعاتٍ وأربعَ سَجَداتٍ».
          وفي رواية ابنِ جريج عن عطاء: «أنَّ الشمسَ انكسفتْ على عهد رسول الله، فقام قياماً شديداً، يقوم قائماً ثم يركعُ ثم يقوم ثم يركع ثم يقومُ ثم يركع ركعتين في ثلاث ركعاتٍ وأربعِ سَجَدات، فانصرف وقد تجلَّت الشمسُ، وكان إذا ركع قال: الله أكبرُ. ثم يركع، وإذا رفع رأسَه قال: سمِع الله لمن حمده. فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنَّ الشمسَ والقمر لا يَنكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما من آياتِ الله يُخوِّف بهما، فإذا رأيتم كسوفاً فاذكروا الله حتى يَنجليا».


[1] في (ابن الصلاح): (سع: النبي) وصححها.
[2] فافْزَعُوا إلى الصَّلاة: أي؛ أسرعوا وبادروا، والفزع يكون بمعنيين أحدهما الرعب، والثاني: الإسراع إلى النصرة أو إلى القصد الذي تقصده.(ابن الصلاح نحوه).
[3] سقط قوله:(بن) من (ت)، والصواب ما أثبتناه.
[4] في الأصول: (عن)، وهو خطأ!.
[5] تحرف في (ظ) إلى: (الخوف)!.
[6] تحرف في (ت) إلى: (عن)!.
[7] استشكلها في (ابن الصلاح) لأنَّها في مسلم من هذا الطريق: «يفرِّجَ الله عنكم».
[8] رأيتُ جهنَّمَ يَحطِم بعضُها بعضاً: أي؛ تندفع فيدفع بعضها بعضاً، لشدة اشتعالها وتلهبها، وأصل الحطْم الكسر، «أين درعك الحُطَيمة؟» أي التي تكسر السيوف، ومنه قوله: «شر الرِّعاء الحُطَمة»، أي الذي يكون عنيفاً في رعيه الإبل، فيحطمُها، أي: يلقي بعضها على بعض لاستعجاله عليها، وقلةِ رِفقِه بها، ولا يمهلها حتى تستوفي رعيها.ويقال: رَعت الماشية الكلأ رعياً، بفتح الراء، والرِّعي بكسر الراء: الكلأ، والرِّعاء على فِعال بالكسر، جمع راع نادر، ورُعاء أيضاً.(ابن الصلاح نحوه).
[9] السَّوائب: جمعُ سائبة، وكانت العرب إذا نذرت في بُرْء من مرَض، أو قدوم من سفر، أو وصول إلى أمل، يقولون: ناقتي سائبة، وهي أن تُسيَّب فلا تمنع من مرعى، ولا تُطرد عن ماء، ولا يُنتفَع بها، وكذلك في عِتق العبد، يقولون: هو سائبة، أي: لا ملك ولا وَلاء، وأصله: من تَسييب الدوابِّ، وهو إرسالها، وكان أولُ من سَن لهم هذه السنة في الجاهلية [عمرو بن لُحي]، فمضَوا عليها حتى جاء الإسلام بإبطالها.(ابن الصلاح نحوه).
[10] سقط قوله:(عن عُروَةَ) من (ظ).
[11] تجلَّت الشمس: انكشفت، وزالَ كسوفُها.